للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه قد ثبَتَ زِناه بإقرارِه، فلا يَزولُ ذلكَ باحتمالِ الرُّجوعِ، وإنْ لم يُقتلْ وأُتِيَ به الإمامَ فكانَ مُقيمًا على اعتِرافِه رجَمَه، وإنْ رجَعَ عنه ترَكَه (١).

هلْ يُجلَدُ الزَّاني المحصَنُ مع الرَّجمِ أم لا؟

اختَلفَ أهلُ العِلمِ في الزاني المُحصَنِ، هل يَجبُ جَلدُه قبلَ الرَّجمِ أم لا يَجبُ؟

فذهَبَ الحَنابلةُ في رِوايةٍ -ورُويَ ذلكَ عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ وعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ وأُبيِّ بنِ كَعبٍ، وهو قَولُ الحَسنِ البَصريِّ، وإليه ذهَبَ إسحاقُ وداودُ وابنُ المُنذِرِ- إلى أنه يَجبُ جَلدُه ثمَّ رَجمُه؛ لعُمومِ الآيةِ في الزُّناةِ في قولِه تعالَى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]، فعَمَّ الزُّناةَ ولم يَخُصَّ مُحصَنًا مِنْ غيرِ مُحصنٍ، ثم جاءَتِ السُّنةُ بالرَّجمِ في حَقِّ الثيِّبِ والتَّغريبُ في حَقِّ البِكرِ، فوجَبَ الجَمعُ بينَهُما، وإلى هذا أشارَ عليٌّ بقَولِه: «جلَدْتُها بكِتابِ اللهِ ورَجمتُها بسُنةِ رَسولِ اللهِ »، وقد صرَّحَ النبيُّ بقولِه في حَديثِ عُبادةَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي، قد جعَلَ اللهُ لهُنَّ سَبيلًا، البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ ونَفيُ سَنةٍ، والثَّيبُ بالثَّيبِ جَلدُ مِائةٍ والرَّجمُ» (٢)، وهذا الصريحُ الثابتُ بيَقينٍ لا يُتركُ إلا بمِثلِه، والأحاديثُ الباقِيةُ ليسَتْ صَريحةً؛ فإنه ذكَرَ الرَّجمَ ولم يَذكُرِ الجَلدَ، فلا يُعارَضُ به الصَّريحُ؛ بدَليلِ أنَّ التَّغريبَ يَجبُ بذِكرِه في هذا


(١) «المغني» (٩/ ٣٩، ٤٠).
(٢) رواه مسلم (١٦٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>