اختَلفَ الفُقهاءُ في عَقدِ المُزارَعةِ، هَلْ هو عَقدٌ لَازِمٌ لا يَحِقُّ لِأحَدِ المُتعاقدَيْنِ أنْ يَفسَخَه بغَيرِ رِضا الآخَرِ، أو جائِزٌ، يَجوزُ لِكُلٍّ مِنهما أنْ يَفسَخَه بغَيرِ رِضا الآخَرِ، وهَل يَلزَمُ بالعَقدِ أو بالشُّروعِ في العَملِ؟
فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في الجُملةِ على تَفصيلٍ يَأتي عندَ كُلٍّ مِنهم إلى أنَّ عَقدَ المُزارَعةِ لا يَلزَمُ بالعَقدِ؛ فيَجوزُ لكلِّ واحِدٍ مِنهما فَسخُه قبلَ العَملِ، وكَذا بعدَ الشُّروعِ في العَملِ عندَ الحَنفيَّةِ والحَنابِلةِ.
قالَ الحَنفيَّةُ: عَقدُ المُزارَعةِ غيرُ لَازِمٍ في جانِبِ صاحِبِ البَذْرِ، لَازِمٌ في جانِبِ صاحِبِه، حتى لَوِ امتَنَعَ بَعدَما عَقدَ عَقْدَ المُزارَعةِ على الصِّحَّةِ، وقالَ: لا أُريدُ زِراعةَ الأرضِ، له ذلك، سَواءٌ كانَ له عُذرٌ أو لَم يكُنْ، ولَوِ امتَنَعَ صاحِبُه فليسَ له ذلك، إلَّا مِنْ عُذرٍ؛ لأنَّ صاحِبَ البَذْرِ لا يُمكِنُه المُضيُّ في العَقدِ إلَّا بإتلافِ مِلْكِه، وهو البَذْرُ؛ لأنَّ البَذْرَ يَهلِكُ في التُّرابِ، فلا يَكونُ
(١) «الهداية» (٤/ ٥٥)، و «العناية» (١٢/ ٩٤)، و «الاختيار» (٣/ ٩٤، ٩٥)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٨٠)، و «البحر الرائق» (٨/ ١٨٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٥٠، ٢٥١)، و «اللباب» (٢/ ٦، ٧)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٩٦)، و «ابن عابدين» (٧/ ١٢١).