للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقدِ استَبعدَ مُحمدٌ قولَ أبي حَنيفةَ في الكِتابِ لهذا، وسَمَّاهُ تَحكُّمًا على الناسِ مِنْ غيرِ حُجَّةٍ، وقالَ: ما أخَذَ الناسُ بقَولِ أبي حَنيفةَ وأصحابِه إلا لِتَركِهم التَّحكُّمَ على الناسِ، ولو جازَ تَقليدُ أبي حَنيفةَ في هذا لَكانَ مَنْ مَضَى قُبيلَ أبي حَنيفةَ مثلَ الحَسنِ البَصريِّ وإبراهيمَ النخَعيِّ أَحرَى أنْ يُقلَّدوا، ولم يُحمَدْ مُحمدٌ على ما قالَه بسَببِ أُستاذِه، وقيلَ: بسببِ ذلكَ انقَطعَ خاطِرُه، فلمْ يَتمكَّنْ مِنْ تَفريعِ مَسائلِ الوَقفِ كالخصَّافِ وهِلالٍ، ولو كانَ أبو حَنيفةَ في الأحياءِ حينَ ما قالَ لَزَأَمَ عليه، فإنه كما قالَ مالكٌ في أبي حَنيفةَ: رَأيتُ رَجلًا لو قالَ: هذه الأُسطوانةُ مِنْ ذَهبٍ لَدَلَّ عليه …

والحاصِلُ أنَّ المَشايخَ رَجَّحوا قولَهُما، وقالَ: الفتَوى عليهِ.

وفي «فَتح القَديرِ»: أنه الحَقُّ، ولا يَبعدُ أنْ يَكونَ إجماعُ الصَّحابةِ ومَن مَرَّ بَعدَهم مُتوارَثًا على خِلافِ قَولِه (١).

هل يَدخلُ الوَقفُ فِي مِلكِ المَوقوفِ عَليهِ؟ أم يَبقَى على مِلكِ اللهِ؟ أم يَظلُّ على مِلكِ الواقِفِ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَقفِ، هل يَنتقلُ إلى مِلكِ المَوقوفِ عليه؟ أم يَكونُ على مِلكِ اللهِ تعالى؟ بعد اتِّفاقِهم أنه إنْ كانَ مَسجدًا فإنه يَنتقلُ إلى مِلكِ اللهِ تعالى، وكذا المَدارِسُ والقَناطِرُ والسِّقاياتُ وأشباهُها.

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ وأحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنه يَخرجُ مِنْ مِلكِ الواقفِ ويَصيرُ حَبيسًا على حُكمِ مِلكِ اللهِ تعالى ولا يَدخلُ في


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٢٠٩، ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>