الثانِي قالَ: ويَكونُ قَبضُ المَنافعِ باستيفائِها. وتبِعَه عليه البُلقينيُّ في الحَواشي، وهو المُعتمدُ، وما ذكَرَه في غيرِ الحَواشي من أنَّ الهِبةَ تَلزمُ بقَبضِ الدارِ ردَّه عليه تِلميذُه أَبو زُرعةَ، وقالَ: لا تَلزمُ إلا بإِتلافِها. وأخَذَه مِنْ فَرقِ السُّبكيِّ ﵀ بينَ كَونِ المَنافعِ في الإِجارةِ مَقبوضةً بقَبضِ الدارِ، وإنْ لم يُتلِفِ المُستأجِرُ المَنافعَ، بخِلافِه في هِبةِ المَنافعِ بأنَّ الإِجارةَ فيها مُعاوضةٌ فكانت كمِلكِ الأُجرةِ بالقَبضِ، ولا مُعاوضةَ في الهِبةِ فلم تَلزمْ إلا بالإِتلافِ، فللواهِبِ الرُّجوعُ فيما بَقيَ من المَنافعِ ولو بعدَ قَبضِ العَينِ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه -وهو المَنافعُ- باقٍ يُؤخذُ شَيئًا فشَيئًا، فلم يَكنْ قَبضُ الدارِ قَبضًا لها؛ لأنَّها إنَّما تُوجدُ بوُجودِ الزَّمانِ بخِلافِ الأَعيانِ؛ فإنَّ الاستيلاءَ عليها بكَمالِها ثم بالقَبضِ، ولم يَبقَ بعدَه عَلقةٌ فاتَّضحَ فُرقانُ ما بينَهما (١).
وقد تقدَّمَت المَسألةُ بشَيءٍ من التَّفصيلِ في حُكمِ مَنْ قالَ:«أسكَنتُك داري أو منَحتُك داري».
٢ - هِبةُ الكَلبِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ هِبةِ الكَلبِ هل تَصحُّ أو لا؟
فذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في مُقابلِ الأصَحِّ والحَنابِلةُ في أصَحِّ الوَجهَينَ إلى صِحةِ هِبةِ الكَلبِ المَأذونِ في اتِّخاذِه، ككَلبِ الصَّيدِ والماشيةِ؛ إذ غيرُه لا يُملكُ فلا تَصحُّ هِبتُه، وإنَّما جازَت هِبتُه؛ لأنَّه تَبرعٌ فجازَ في