فإذا قُلنا بالجَوازِ فقد اتَّفقَ أَصحابُنا على أنَّه لا فَرقَ بينَ عامَينِ وأكثرَ حتى لو عجَّلَ عَشرةَ أَعوامٍ أو أكثَرَ جازَ على هذا الوَجهِ بشَرطِ أنْ يَبقَى بعدَ المُعجَّلِ نِصابٌ، فلو كانَ له خَمسونَ شاةً فعجَّلَ عَشرًا منها لعَشرِ سِنينَ جازَ، فلو نقَصَ المالُ بالتَّعجيلِ عن النِّصابِ في الحَولِ الثانِي لم يَجزْ التَّعجيلُ لغيرِ العامِ الأولِ وَجهًا واحِدًا، هكذا قالَ الجُمهورُ؛ لأنَّ الحَولَ الثانِيَ لا يَنعقِدُ على نِصابٍ، وحَكى البَغويُّ والسَّرخسيُّ وَجهًا شاذًّا أنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّ المُعجَّلَ كالباقِي على مِلكِه، وإذا جوَّزْنا صَدقةَ عامَينِ فهل يَجوزُ أنْ يَنويَ تَقديمَ زَكاةِ السَّنةِ الثانيةِ على الأُولى؟ فيه وَجهانِ: حَكاهما أبو الفَضلِ ابنُ عَبدان، كتَقديمِ الصَّلاةِ الثانيةِ على الأُولى إذا جمَعَ في وَقتِ الصَّلاةِ الثانيةِ (١).
تَأخيرُ الزَّكاةِ عن وَقتِ وُجوبِها:
ذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ والحَنفيةُ في قَولٍ إلى أنَّ الزَّكاةَ متى وجَبَت، وجَبَت المُبادَرةُ بها على الفَورِ مع القُدرةِ على ذلك، وعَدمِ الخَشيةِ من ضَررٍ؛ لأنَّ الأمرَ المُطلَقَ يَقتَضي الفَورَ، ولذلك يَستحِقُّ المُؤخِّرُ لِلامتِثالِ العِقابَ، ولذلك أخرَجَ اللهُ تعالَى إِبليسَ وسخِطَ عليه ووبَّخَه بامتِناعِه عن السُّجودِ، ولو أنَّ رَجُلًا أمَرَ عَبدَه أنْ يَسقيَه فأخَّرَ
(١) «المجموع» (٧/ ٢١٥، ٢٥٢)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٢١٢).