للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفُوا هل يَغرمُها لصاحِبها إذا أكَلَها أم لا؟ وهذا له حالَتانِ: بعدَ إِجماعِهم على أنَّ مالِكَها لو جاءَ قبلَ أنْ يَأكلَها الواجِدُ أخَذَها منه (١).

الحالةُ الأُولى: أنْ يَجدَها في الصَّحراءِ أو مَهلَكةٍ:

فذهَبَ جَماهيرُ أَهلِ العِلمِ الحَنفيةُ وسحنُونٌ وابنُ عبدِ البرِّ مِنْ المالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ وغيرِهم إلى أنَّه متى أرادَ أَكلَها حفِظَ صِفتَها، فمتى جاءَ صاحِبُها غَرمَها له؛ لقَولِ النَّبيِّ في حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَو يا رَسولَ اللَّهِ فكيفَ تَرى في ضالَّةِ الغَنمِ؟ قالَ: «طَعامٌ مَأكولٌ لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ احبِسْ على أَخيك ضالَّتَه» (٢)، ففيه دَليلٌ على أنَّ الشَّاةَ على مِلكِ صاحِبِها، ولأنَّها لُقطةٌ لها قِيمةٌ، وتَتبعُها النَّفسُ فتَجبُ غَرامتُها لصاحِبِها إذا جاءَ كغيرِها، ولأنَّها مِلكٌ لصاحِبِها فلَم يَجزْ تَملكُها عليه بغيرِ عِوضٍ مِنْ غيرِ رِضاه، كما لو كانَت بينَ البُنيانِ، ولأنَّها عينٌ يَجبُ ردُّها معَ بَقائِها، فوجَبَ غُرمُها إذا أتلَفَها كلُقطةِ الذَّهبِ، وقَولُ النَّبيِّ : «هي لك» لا يَمنعُ وُجوبَ غَرامتِها، فإنَّه قد أذِنَ في لُقطةِ الذَّهبِ والوَرِقِ بعدَ تَعريفِها في أَكلِها وإِنفاقِها وقالَ: «كسائِرِ مالِكِ» ثُم أجمَعْنا على وُجوبِ غَرامتِها، كذلك الشَّاةُ.


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٥٥١).
(٢) رواه البيهقي (١١٨٤٨)، والدارقطني (٤٦٢٧)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>