للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل حَدُّ القَذفِ حقٌّ للهِ أم للعَبدِ أم لهما؟

القَذفُ فيهِ شائِبتانِ: شائبةُ حَقِّ اللهِ وشائبةُ حَقِّ العبدِ؛ لأنه شُرعَ لدَفعِ العارِ عن المَقذوفِ، فمِن هذا الوَجهِ هو حقُّ العبدِ، ثمَّ إنه شُرعَ زاجِرًا ومنهُ سُمِّيَ حدًّا، وهذا آيةُ حَقِّ اللهِ.

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا في أيِّهما أقوَى، هل حَقُّ اللهِ فيه غالِبٌ فلا يَجوزُ العفو عنه ولا الاعتِياضُ عنه؟ أم حَقُّ العبدِ فيه الغالِبُ فيَجوزُ العفوُ عنه والاعتياضُ عنه؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ حَقَّ اللهِ فيه هو الغالِبُ، فإذا ادَّعاه ثمَّ عفَى عنه فعَفوُه باطلٌ؛ لأنه وإنْ كانَ حقًّا مُختِلطًا بحقِّ العبدِ وتعارَضَتِ الجِهتانِ فيُغلَّبُ حقُّ اللهِ؛ لأنه حدٌّ يَتضمَّنُ عدَدًا لا تَجوزُ الزيادةُ عليهِ ولا النُّقصانُ عنه، فكانَ حقًّا للهِ تعالَى كحَدِّ الزنا والسَّرقةِ، ولأنه يَتشطَّرُ بالرِّقِّ، فكانَ كالزنا، وعليهِ: لا يَجوزُ العفوُ عنه ولا يُورَثُ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ حقَّ العبدِ فيه هو المُغلَّبُ؛ لأنه يَقفُ على مُطالَبتِه وأنه يَصحُّ له الرُّجوعُ عنه، أصلُه القِصاصُ، ولقولِه : «إنَّ دِماءَكم وأموالَكُم


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٥٧)، و «التجريد» للقدوري (١٠/ ٥١٨٢)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٣٢٧)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٥٥، ٣٥٦)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٥٢)، و «المبدع» (٩/ ٨٤)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>