للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العُيوبُ التي تُثبِتُ الخِيارَ وتَفسخُ النِّكاحَ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على ثُبوتِ الخِيارِ بالعُيوبِ.

إلَّا أنهمُ اختَلفُوا في العُيوبِ المُثبِتةِ للتَّفريقِ على أقوالٍ.

قالَ الحَنفيةُ: ليسَ كُلُّ العُيوبِ في الرَّجلِ تُثبِتُ للمَرأةِ حقَّ الفَسخِ، فلا يَثبتُ الفَسخُ للمَرأة إلا إذا وَجدَتْ بالرجلِ جَبًّا أو عُنَّةً (١) أو خَصْيًا


(١) قالَ الإمامُ الموصليُّ في «الاختيار» (٣/ ١٤٢، ١٤٣): العِنِّينُ: الَّذي لا يَصلُ إلى النِّساءِ، أو يَصلُ إلى الثُّيبِ دُونَ الأبكارِ، أو يَصلُ إلى غيرِ زَوجتِه ولا يَصلُ إليها، وتكونُ العُنَّةُ لمَرضٍ أو ضَعفٍ أو كِبَرِ سنٍّ أو مِنْ أخذٍ بسِحْرٍ؛ فإذا كانَ الزَّوجُ عِنِّينًا وخاصمَتهُ المَرأةُ في ذلكَ أجَّلَه القاضي سَنةً، فإنْ وصَلَ إليها وإلَّا فرّقَ بيْنَهما إنْ طَلبَتِ المَرأةُ ذلكَ؛ لأنَّ لها حقًّا في الوَطءِ فلَها المُطالَبةُ بهِ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ ذلكَ لمَرضٍ، ويُحتَملُ أنْ يكونَ لآفةٍ أصليَّةٍ، فجُعلَتِ السَّنةُ مُعرِّفةً لذلكَ؛ لاشتِمالِها على الفُصولِ الأربعةِ، فإنْ كانَ المَرضُ مِنْ بُرودَةٍ أزالَهُ حرُّ الصَّيفِ، وإنْ كانَ مِنْ رُطوبَةٍ أزالَهُ يُبْسُ الخَريفِ، وإنْ كانَ مِنْ حَرارَةٍ أزالَه بَرْدُ الشِّتاءِ، وإنْ كانَ مَنْ يُبسٍ أزالَهُ رطوبةُ الرَّبيعِ على ما عليهِ العادَةُ، ورُويَ ذلكَ عَنْ عُمرَ وعليٍّ وابنِ مَسعودٍ ، فإذا مضَتِ السَّنةُ ولَم يَصلْ إليها عُلِمَ أنه لآفَةٍ أصليَّةٍ فتُخيَّرُ، فإنْ اختارَتْ نفْسَها قالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: بانَتْ، وهوَ ظاهِرُ الرِّوايةِ، ورَوى الحسَنُ عَنْ أبي حنيفَةَ: لا تَبينُ إلَّا بتَفريقِ القاضي، وهوَ المشهورُ مِنْ مذهَبِه، لهُما: أنَّ الشَّرعَ خيَّرَها عِنْدَ تَمامِ الحَولِ دَفعًا للضَّررِ عَنها، فلا يُحتاجُ إلى تَفريقِ القاضِي كما إذا خيَّرَها الزوجُ، ولهُ: أنَّ النكاحَ عَقدٌ لِازمٌ ومِلكَ الزوجِ فيه مَعصومٌ، فلا يَزولُ إلَّا بإزالَتهِ؛ دَفعًا للضَّررِ عنهُ، لكِنْ لمَّا وجَبَ عَليهِ الإمساكُ بالمَعروفِ أو التَّسريحُ بالإحسانِ وقد عجَزَ عَنْ الأولِ بالعُنَّةِ ولا يُمكِنُ القاضي النِّيابةُ فيهِ فوجَبَ عَليهِ التَّسريحُ بالإحسانِ، فإذا امتَنعَ عنهُ نابَ القاضي مَنابَه؛ لأنه نُصِّبَ لِدَفعِ الظُّلمِ، فلا تَبِينُ بدُونِ تَفريقِ القاضِي، فإذا فرَّقَ يَصيرُ كأنه طلَّقَها =

<<  <  ج: ص:  >  >>