للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: سَرقةُ أحَدِ الزَّوجينِ مِنْ الآخَرِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو سَرقَ أحدُ الزَّوجينِ مِنْ الآخرِ مالًا، هل يُقامُ عليه الحَدُّ أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ -على تَفصيلٍ عندَهم جَميعًا- إلى أنه إنْ سَرقَ أحدُ الزوجَينِ مِنْ مالِ الآخَرِ فإنْ كانَ ممَّا ليسَ مُحرزًا عنه فلا قطْعَ فيه، وإنْ سَرقَ ممَّا أحرَزَه فلا قطْعَ فيه أيضًا عندَ الحَنفيةِ والصَّحيح مِنْ المَذهبِ عندَ الحَنابلةِ؛ لقَولِ عُمرَ لعبدِ اللهِ ابنِ عَمرِو بنِ الحَضرميِّ حينَ قالَ لهُ: «إنَّ غُلامِي سَرقَ مِرآةَ امرأتِي»: «أَرسِلْه، لا قطْعَ عليه، خادِمُكم أخَذَ مَتاعَكم»، وإذا لم يُقطَعْ عَبدُه بسَرقةِ مالِها فهو أَولى، ولأنَّ كلَّ واحدٍ منهُما يَرثُ صاحِبَه بغيرِ حَجبٍ ولا تُقبَلُ شَهادتُه له ويَتبسَّطُ في مالِ الآخَرِ عادةً، فأشبَهَ الوالدَ والولدَ.

ولأنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ الزوجَينِ له شُبهةٌ في مالِ الآخَرِ؛ أمَّا الزوجةُ: فلاستِحقاقِها النفقةَ في مالِ الزوجِ، وأما الزوجُ: فلأنه يَملكُ الحَجْرَ عليها ومنْعَها مِنْ التصرُّفِ في مالِها -على قَولِ بعضِ الفُقهاءِ-، ولأنَّ العادةَ أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ الزوجَينِ لا يحرزُ مالَه عن الآخَرِ، وإنْ فعَلَ ذلكَ .. كانَ نادِرًا، فألحِقَ النادرُ بالغالبِ.

قالَ الحَنفيةُ: وسواءٌ سرَقَ مِنْ البيتِ الذي هُما فيه أو مِنْ بيتٍ آخَرَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهُما يَدخلُ في مَنزلِ صاحبِه ويَنتفعُ بمالِه عادةً، وذلكَ يُوجِبُ خَللًا في الحِرزِ وفي المِلكِ أيضًا (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٧٥، ٧٦)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٢٠)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٩٧، ٣٩٨)، و «اللباب» (٢/ ٣٢٨)، و «المهذب» (٢/ ٢٨١)، و «البيان» (١٢/ ٤٧٥، ٤٧٧)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٥١)، و «النجم الوهاج» (٩/ ١٥٩)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٤٦)، و «المغني» (٩/ ١١٧)، و «الكافي» (٤/ ١٧٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٨١)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>