للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوعُ الثَّالثُ: نَذرُ طاعةٍ لا أَصلَ لها في الوُجوبِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن نذَرَ نَذرَ طاعةٍ لا أَصلَ له في الوُجوبِ كالاعتِكافِ وعيادةِ المَريضِ هل يَلزمُ الوَفاءُ به أم يُشترطُ أنْ يَكونَ المَنذورُ قُربةً للهِ تَعالى مِنْ جِنسِها واجبٌ كالصَّلاةِ والصَّومِ والحجِّ؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الصَّحيحِ والحَنابِلةُ وعامَّةُ أَهلِ العِلمِ إلى أنَّه يَصحُّ نَذرُ القُربةِ وإنْ لمْ يَكنْ مِنْ جِنسِه واجبٌ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ نذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فليُطعْه» (١).

وذمَّ الذين يَنذرونُ ولا يُوفونَ بقَولِه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)[التوبة: ٧٥، ٧٧] فذَّمَهم اللهُ على تَركِ الوَفاءِ بنَذرِهم وعاقَبَهم على تَركِه.

ورَوى نَافعٌ عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ عن عُمرَ بنِ الخَطابِ أنَّه قالَ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي نذَرْتُ في الجاهليةِ أنْ أَعتكفَ ليلةً في المَسجدِ الحَرامِ، فقالَ له النَّبيُّ : «أوفِ نَذرَكَ، فاعتكَفَ ليلةً» (٢). ولأنَّه ألزَمَ نَفسَه قُربةً على وَجهِ التَّبرُّرِ فتلزَمُه كمَوضعِ الإِجماعِ وكما لو ألزَمَ نَفسَه أُضحيةً أو أوجَبَ هَديًا وكالاعتِكافِ وكالعُمرةِ فيَصحُّ نَذرُها وليسَتْ واجبةً عندَ الحَنفيةِ (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٧٠٠).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٣٧)، ومسلم (١٦٥٦).
(٣) «المعونة» (١/ ٤٣٠)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٣٤٨)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٩٣)، و «شرح الزرقاني على مختصر خليل» (٣/ ١٦٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٥٦، ٤٥٧)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٤٢٢)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٤/ ٢٦٨، ٢٧٠)، و «البيان» (٤/ ٤٧٤)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٧٤٦، ٧٥٣)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ٩٩)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٢٥٦)، و «تحفة المحتاج» (١٢/ ١١، ١٢)، و «المغني» (١٠/ ٦٨)، و «الإنصاف» (١١/ ١١٧)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٤٨)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>