للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالَ الحافظُ ابنُ حَجرٍ : وتُعقِّبَ بوُقوعِها مِنْ الشارعِ -أيِ النَّبيِّ ولا عارَ في فِعلِه، وهذا التعقُّبُ وإنْ كانَ صَحيحًا في نَفسِه لكنَّه لا يَرِدُ على ناقلِ اللُّغةِ، وفِعلُ الشارعِ في مثلِ ذلك لبَيانِ الجَوازِ (١).

مَحاسنُ العارِيةِ:

وأما مَحاسنُ العارِيةِ فهي النِّيابةُ عن اللهِ تَعالَى، فإنَّ المُعيرَ نائبٌ عن اللهِ تَعالَى بإذنِه في إِجابةِ المُضطرِّ، وكذلك مَنْ تَحقَّقَت حاجتُه وقصُرَتْ قُدرتُه لصِغرِ يدِه عن تَملُّكِ العَينِ ببَدلٍ وهو الشِّرى، وعن تَملكِ المَنفعةِ بعِوضٍ بالاستِيجارِ وهو يَحتاجُ إلى الانتِفاعِ، وكلُّ مَنْ أجابَ مُضطرًا في إِزالةِ اضطِرارِه كانَ نائبًا عن اللهِ تَعالَى، وكَفى به شَرفًا أنْ يَكونُ العبدُ نائبًا عن اللهِ تَعالَى، فشرُفَ الخَليفةُ والقاضِي على سائرِ الناسِ لِهذا، قالَ النَّبيُّ : «السُّلطانُ ظلُّ اللهِ في الأرضِ … » الحَديثُ، مِنْ حيثُ إنَّ الناسَ يَنعمونَ في حِمايتِه ويَستَروحونَ برعايتِه، فكذلك المُستَعيرُ يَنتفعُ بالمُستعارِ، والعارِيةُ لا تَكونُ إلا عندَ مُحتاجٍ كالقرضِ، ولذلك زِيد ثَوابُ القَرضِ على ثَوابِ الصَّدقةِ، قالَ النَّبيُّ : «الصَّدقةُ بعَشرةٍ والقَرضُ بثَمانيةَ عشرَ»؛ لأنَّ القرضَ لا يَقعُ إلا عندَ مُحتاجٍ، والصَّدقةُ قد تُصادِفُ غيرَ مُحتاجٍ، وقد ذمَّ اللهُ تَعالَى أَقوامًا لا يَتصدَّقونَ ولا يُعيّرونَ بقولِه ﷿: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣)[الماعون: ٣] إلى أنْ قالَ: ﴿وَيَمْنَعُونَ


(١) «فتح الباري» (٥/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>