للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختَلَف الفُقهاءُ في حُكمِ هذا الصُّلحِ كاختِلافِهم في الصُّلحِ مع الإنكارِ:

فأجازَه جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ، واستَدَلُّوا بالأدِلَّةِ نَفْسِها التي استَدَلُّوا بها على جَوازِ الصُّلحِ مع الإنكارِ، ولأنَّ الساكِتَ يَجوزُ أنْ يَكونَ مُقِرًّا ويَجوزُ أنْ يَكونَ مُنكِرًا، فإذا صالَحَ حَمَلْنا ذلك على الصِّحَّةِ دونَ الفَسادِ.

وأبطَلَه الشافِعيَّةُ وقالوا: إنَّ الصُّلحَ مع السُّكوتِ باطِلٌ كالصُّلحِ مع الإنكارِ، وذلك لأنَّ جَوازَ الصُّلحِ يَستَدعي حَقًّا ثابِتًا، ولَم يُوجَدْ في مَوضِعِ السُّكوتِ؛ إذِ الساكِتُ يُعَدُّ مُنكِرًا حُكمًا حتى تُسمَعَ عليه البَيِّنةُ فكان إنكارُه مُعارِضًا لِدَعوى المُدَّعي، ولو بَذَل المالَ لَبَذَلَه لِدَفعِ خُصومةٍ باطِلةٍ، فكان في مَعنى الرَّشوةِ (١).

ما يَجوزُ الصُّلحُ عليه وما لا يَجوزُ:

يَختَلِفُ ما يَجوزُ الصُّلحُ عليه وما لا يَجوزُ مِنْ مَذهبٍ لِآخَرَ.

قال الحَنفيَّةُ: الصُّلحُ جائِزٌ فيما يَلي:

١ - في دَعوَى الأموالِ: بمالٍ وبمَنفَعةٍ، أمَّا بمَنفَعةٍ فلأنَّه في مَعنى الإجارةِ، وأمَّا بمالٍ فلأنَّه بمَعنى البَيعِ في حَقِّهما، إنْ وَقَعَ مع إقرارٍ، وفي حَقِّ المُدَّعي إنْ وَقَعَ مع سُكوتٍ أو إنكارٍ وافتِداءِ اليَمينِ في حَقِّ الآخَرِ.

٢ - في دَعوَى المَنافِعِ: بمالٍ وبمَنفَعةٍ، كأنِ ادَّعى في دارِ سُكنى سَنةً وَصيَّةً مِنْ رَبِّ الدارِ فجَحَده الوارِثُ أو أقَرَّ به وصالَحَه عن شَيءٍ جازَ؛ لأنَّ


(١) يُنظر: المَصادِر السابقَة في مَسالةِ الصُّلحِ معَ الإنْكارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>