ومُقابلُ الرَّاجحِ: لا يكونُ مَحجورًا عليه بنَفسِ الارتدادِ، وأنه لا يُنزعُ منه مالُه.
قالَ الدُّسوقيُّ ﵀: وفيه نَظرٌ؛ فإنَّ وقْفَ مالِه بمُجرَّدِ الرِّدةِ مُتفَقٌ عليه، وإنما الخِلافُ هل يَرجعُ له إذا تابَ -وهو المَشهورُ-؟ أو يَكونُ فَيئًا مُطلَقًا كالمأخوذِ مِنْ الحَربيِّ؟ والأولُ مَذهبُ «المُدوَّنة»، والثاني لسحنُونٍ.
وفائِدةُ الوَقفِ عليه مع أنهُ لا يَعودُ إليه مُطلَقًا احتِمالُ أنْ تَظهرَ عليه دُيونٌ، فتُؤخَذُ منه، ولأنه إذا رَأى مالَه مَوقوفًا لعلَّه يَتوهَّمُ أنَّنا وَقَفْناه له، فيَعودُ للإسلامِ (١).
حُبوطُ العَملِ بالرِّدةِ؟ أم بالموتِ على الرِّدةِ؟
اختَلفَ الفُقهاءُ في حُبوطِ عَملِ المُرتدِّ، هل يَحبطُ بمُجرِّدِ الردةِ، مَثلًا إنْ كانَ حَجَّ ثمَّ ارَتدَّ فيَجبُ عليهِ حجَّةٌ أُخرى؟ أم لا يَحبطُ عَملُه إلا بالمَوتِ على الرِّدةِ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في قولٍ إلى أنَّ عمَلَه يَحبطُ بالرِّدةِ، فإنْ كانَ حَجَّ فيَجبُ عليه الحَجُّ مِنْ جَديدٍ ولا يُعتدُّ له بالحجَّةِ الماضيةِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٥]، وقَولِه تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٨٨]، ولقَولِه تَعالَى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ١٥]، ففي هذه الآياتِ دَليلٌ على أنَّ الرِّدةَ نَفسَها مُحبِطةٌ لِلْعَمَلِ.
(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٦/ ٢٨٩)، ويُنظَر: «التاج والإكليل» (٥/ ٣١١)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٦٦، ٦٧)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣١٩).