الثاني: لا يَصحُّ الرُّجوعُ في العَطيةِ بعدَ القَبضِ؛ لأنَّها لازِمةٌ في حَقِّ المُعطي ولو كثُرَت، وإنَّما مُنعَ من التَّبرعِ بزِيادةٍ على الثُّلثِ لحَقِّ الوَرثةِ بخِلافِ الوَصيةِ؛ فإنَّه يَملكُ الرُّجوعَ فيها؛ لأنَّ التَّبرعَ فيها مَشروطٌ بالمَوتِ فقبلَ المَوتِ لم يُوجدْ، فهي كالهِبةِ قبلَ القَبولِ.
الثالِثُ: يُعتبَرُ قَبولُه للعَطيةِ عندَ وُجودِها؛ لأنَّها تَمليكٌ في الحالِ، والوَصيةُ بخِلافِه؛ فإنَّها تَمليكٌ بعدَ المَوتِ فاعتُبِرَ عندَ وُجودِه، ولا حُكمَ لقَبولِها ولا رَدِّها قبلَ المَوتِ.
الرابِعُ: أنَّ المِلكَ يَثبتُ في العَطيةِ من حينِ وُجودِها بشُروطِها؛ لأنَّها إنْ كانَت هِبةً فمُقتَضاها تَمليكُه المَوهوبَ في الحالِ كعَطيةِ الصِّحةِ وكذا إنْ كانَت مُحاباةً أو إِعتاقًا، ويَكونُ المِلكُ مُراعًى؛ لأنَّا لا نَعلمُ هل هو مَرضُ المَوتِ أو لا، ولا نَعلمُ هل يَستفيدُ مالًا أو يَتلَفُ شَيءٌ من مالِه، فتَوقَّفنا لنَعلمَ عاقِبةَ أمرِه لنَعملَ بها.
فإذا خرَجَت العَطيةُ من ثُلثِه عندَ مَوتِه تَبيَّنَّا أنَّ المِلكَ كانَ ثابِتًا من حينِ الإِعطاءِ؛ لأنَّ المانِعَ من ثُبوتِه كَونُه زائِدًا على الثُّلثِ، وقد تبيَّنَ خِلافُه (١).
(١) «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٢٥، ٤٢٦)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٩٧، ٣٩٨)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٢٨، ٤٢٩).