وَلأنَّها لَو كانَتْ مَقطوعةً لَجازَ استِئجارُها لِذلك؛ فكذلك إذا كانَتْ ثابِتةً، وذلك لأنَّ الِانتِفاعَ يَحصُلُ بهِما على السَّواءِ في الحالَتَيْنِ، فما جازَ في إحداهُما يَجوزُ في الأُخرَى، ولأنَّها شَجرةٌ، فجازَ استِئجارُها لِذلك كالمَقطوعةِ، ولأنَّها مَنفَعةٌ مَقصودةٌ يُمكِنُ استيفاؤُها مع بَقاءِ العَينِ، فجازَ العَقدُ عليها، كَما لَو كانَتْ مَقطوعةً، ولأنَّها عَينٌ يُمكِنُ استيفاءُ هذه المَنفَعةِ مِنها، فجازَ استِئجارُها لَها، كالحِبالِ والخَشَبِ والشَّجرِ المَقطوعِ.
والمَسألةُ الخامِسةُ: استِئجارُ المُصحَفِ والكُتُبِ لِلنَّظَرِ فيها والقِراءةِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ إجارةِ المُصحَفِ والكُتُبِ لِلقِراءةِ، هَلْ تَجوزُ أو لا تَجوزُ؟
فذهبَ الحَنفيَّةُ وابنُ حَبيبٍ مِنْ المالِكيَّةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ استِئجارُ المُصحَفِ، قالَ الحَنفيَّةُ: لأنَّ مَنفَعةَ المُصحَفِ النَّظَرُ فيه، والقِراءةُ مِنه، والنَّظَرُ في مُصحَفِ الآخرينَ، والقِراءةُ منه مُباحةٌ، والإجارةُ بَيعُ المَنفَعةِ، والمُباحُ لا يَكونُ مَحَلًّا لِلبَيعِ؛ كالأعيانِ المُباحةِ مِنْ الحَطَبِ والحَشيشِ.
وَكَذا استِئجارُ كُتُبٍ لِيَقرَأَ فيها شِعرًا أو فِقهًا؛ لأنَّ مَنافِعَ الدَّفاتِرِ النَّظَرُ فيها، والنَّظَرُ في دَفتَرِ الآخَرينَ مُباحٌ مِنْ غيرِ أجْرٍ، فصارَ كَما لَوِ استَأجَرَ ظِلَّ حائِطٍ في خارِجِ دارِه؛ لِيَقعُدَ فيه.
وَلَوِ استَأجَرَ شَيئًا مِنْ الكُتُبِ لِيَقرَأَ، فقَرَأَ، لا أجْرَ عليه؛ لِانعِدامِ عَقدِ المُعاوَضةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute