مَتى يَستحِقُّ المُضارِبُ الرِّبحَ:
اختلَف الفُقهاءُ في المُضارِبِ هل يَملِكُ حِصَّتَه مِنَ الرِّبحِ بالظُّهورِ أو بالقِسمةِ؟
فذهَب الشافِعيَّةُ في مُقابِلِ الأظهَرِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ العامِلَ يَملِكُ حِصَّتَه مِنَ الرِّبحِ بمجرَّدِ الظُّهورِ قبلَ القِسمةِ؛ لأنَّ الشَّرطَ صَحيحٌ، فيَثبُتُ مُقتَضاه، وهو أنْ يَكونَ له جُزءٌ مِنَ الرِّبحِ؛ فإذا وُجِد يَجِبُ أنْ يَملِكَه بحُكمِ الشَّرطِ، كما يَملِكُ المُساقي حِصَّتَه مِنَ الثَّمرةِ؛ لِظُهورِها، وقياسًا على كلِّ شَرطٍ صَحيحٍ في عَقدٍ، ولأنَّ هذا الرِّبحَ مَملوكٌ فلا بُدَّ له مِنْ مالِكٍ، ورَبُّ المالِ لا يَملِكُه اتِّفاقًا، ولا تَثبُتُ أحكامُ المِلكِ في حَقِّه، فلَزِم أنْ يَكونَ لِلمُضارِبِ، ولأنَّه يَملِكُ المُطالَبةَ بالقِسمةِ، فكان مالِكًا كأحَدِ شَريكَيِ العِنانِ، ولا يَمنَعُ أنْ يَملِكَه ويَكونَ وِقايةً لِرأسِ المالِ، كنَصيبِ رأسِ المالِ مِنَ الرِّبحِ، وبهذا امتَنَع اختِصاصُه برِبحِه، ولأنَّه لو اختَصَّ -أي: رَبُّ المالِ- برِبحِ نَصيبِه لاستَحقَّ مِنَ الرِّبحِ أكثَرَ مما شُرِط له، ولا يَثبُتُ بالشَّرطِ ما يُخالِفُ مُقتَضاه، ولأنَّ العامِلَ إنَّما يَملِكُ فَسخَ القِراضِ بالمُطالَبةِ بحَقِّه مِنَ الرِّبحِ، ومَن مَلَك مُطالبةَ شَريكِه بقِسمةِ ما بَينَهما دَلَّ على أنَّه يَملِكُ حِصَّتَه بالظُّهورِ كالمالِ بينَ الشَّريكَيْن.
لكنْ نَصَّ الحَنابِلةُ على أنَّ المُضارِبَ لا يَملِكُ الأخذَ مِنَ الرِّبحِ إلا بإذنِ رَبِّ المالِ؛ لأنَّ نَصيبَه مَشاعٌ، فلا يُقاسِمُ نَفْسَه، ولأنَّ مِلكَه له غَيرُ مُستقِرٍّ، وإنْ شرَط ألَّا يَملِكَه إلا بالقِسمةِ، لَم يَصحَّ الشَّرطُ؛ لِمُنافاتِه مُقتَضى العَقدِ.
وقال الشافِعيَّةُ على هذا القَولِ: لا يَصحُّ تَصرُّفُ العامِلِ فيه؛ لأنَّه غَيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute