المَسألةُ الثالثةُ: رُجوعُ الخَصمينِ عن التَّحكيمِ:
وهذا لا يَخلو مِنْ ثَلاثةِ صُورٍ:
الصُّورةُ الأُولى: أنْ يَرجعا قبلَ الشُّروعِ في الحُكمِ:
اتفَقَ الفُقهاءُ على أنَّه يَجوزُ لكلِّ واحدٍ مِنْ الخَصمينِ الرُّجوعُ عن تَحكيمِه قبلَ شُروعِه في الحُكمِ؛ لأنَّه لا يَثبتُ إلا برِضاه فأشبَهَ ما لو رجَعَ عن التَّوكيلِ قبلَ التَّصرفِ.
الصُّورةُ الثانيةُ: أنْ يَرجعا أو أَحدُهما بعدَ الحُكمِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ هل يُشترطُ رِضاهما بعدَ الحُكمِ فيَجوزُ لهما الرُّجوعُ أم لا يُشترطُ رِضاهما ويَنفذُ عليهما؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في الأَظهرِ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يُشترطُ الرِّضا بعدَ الحُكمِ كحُكمِ الحاكمِ، فلا يَحلُّ لأَحدٍ نَقضُه حيثُ أصابَ الحَقَّ؛ لأنَّ مَنْ جازَ حُكمُه لزِمَ كقاضِي الإِمامِ. فعلى هذا إذا حكَمَ بينَهما لمْ يَكنْ لأَحدِهما الامتناعُ.
وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّه يُشترطُ رِضاهما ولا يَلزمُهما حُكمُه إلا برِضاهما بحُكمِه بعدَ الحُكمِ؛ لأنَّه لمَّا اعتُبرَ رِضاهما في ابتداءِ الحُكمِ عندَه اعتُبرِ رِضاهما بلُزومِ حُكمِه.
الصُّورةُ الثالثةُ: إذا رجَعا أو أَحدُهما بعدَ شُروعِه في الحُكمِ وقبلَ تَمامِه:
واختُلفَ فيما لو امتنَعَ أَحدُهما بعدَ شُروعِه في الحُكمِ وقبلَ تَمامِه هل يَجوزُ رُجوعُه أم لا؟