أولاً: أَداءُ الشَّهادةِ وتَحمُّلُها في حُقوقِ الآدَميِّ:
اتَّفَق أهلُ العِلمِ على أنَّ تَحمُّلَ الشَّهادةِ -إنِ احتِيجَ إليه بأنْ خِيفَ ضَياعُ الحَقِّ من مالٍ أو غيرِه أو فيما يَحتاجُ إلى شَهادةٍ، كعَقدِ النِّكاحِ، وإلى أَدائِها في حُقوقِ الآدَميِّ- فَرضٌ كِفائيٌّ فيَلزمُ الشُّهودَ أَداؤُها ولا يَسعُهم كِتمانُها إذا طلَبَهم المُدَّعي لمَا فيه من تَضييعِ الحُقوقِ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقَولهِ تَعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، وإنَّما خَصَّ القَلبَ بالإِثمِ؛ لأنَّه مَوضعُ العِلمِ بها، ولأنَّ الشَّهادةَ أَمانةٌ فلزِمَ أَداؤُها كسائِرِ الأَماناتِ.
ولأنَّه إِضاعةٌ لحُقوقِ الناسِ فيَحرُمُ الامتِناعُ، إلا أنْ يَقومَ الحَقُّ بغيرِه؛ بأنْ يَكونَ هناك سِواه مَنْ يَقومُ الحَقُّ به، فيَجوزُ له الامتِناعُ؛ لأنَّ الحَقَّ لا يَضيعُ بامتِناعِه، ولأنَّها فَرضُ كِفايةٍ.
إذا ثبَتَ هذا فإنْ دُعيَ إلى تَحمُّلِ شَهادةٍ في نِكاحٍ أو دَينٍ أو غير ذلك لزِمَته الإِجابةُ، وإنْ كانَت عندَه شَهادةٌ فدُعيَ إلى أَدائِها لزِمَه ذلك، فإنْ قامَ بالفَرضِ في التَّحمُّلِ أو الأَداءِ اثنانِ سقَطَ عن الجَميعِ، وإنِ امتنَعَ الكُلُّ أثِموا.