للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَمعُ بينَ تَقديرِ المدَّةِ والعَملِ في الإجارةِ:

الإجارةُ إمَّا أنْ تُقدَّرَ بمدَّةٍ؛ كاستِئجارِ الدُّورِ لِلسُّكنَى، وإمَّا أنْ تُقدَّرَ بعَملٍ، كَبِناءِ حائِطٍ، وخِياطةِ قَميصٍ، وحَمْلٍ إلى مَوضِعٍ مُعيَّنٍ، وإذا كانَ المُستَأجِرُ ممَّا له عَملٌ جازَ فيه الوَجهانِ، فيَجوزُ تَقديرُ إجارَتِه بمدَّةٍ وعَملٍ.

وقد اختَلفَ الفُقهاءُ في المَنفَعةِ في الإجارةِ هَلْ يَصحُّ أنْ يُجمَعَ فيها بينَ المدَّةِ -الزَمنِ- والعَملِ، فتُقدَّرَ المَنفَعةُ بالزَمنِ والعَملِ معًا، كَما إذا استَأجَرَه لِيَخيطَ له هذا الثَّوبَ بيَومٍ، أو لِيَبنيَ له هذا الجِدارَ بيَومَيْنِ، أو لِيُوَصِّلَه مِنْ مِصرَ إلى مَكَّةَ بثَلاثةٍ أيَّامٍ، أو لا يَصحُّ، وتَكونُ إجارةً فاسِدةً؟

فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، أبو حَنيفَةَ والمالِكيَّةُ في المَشهورِ يَأتي تَفصيلهم والشَّافعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَصحُّ الجَمعُ بينَ تَقديرِ المدَّةِ والعَملِ؛ فمتى قُدِّرَتْ بمدَّةٍ لا يَجوزُ تَقديرُ العَملِ، وإذا قُدِّرَتْ بعَملٍ لا يَصحُّ تَقديرُ المدَّةِ؛ لأنَّ الجَمعَ بَينَهما يَزيدُ الإجارةَ غَرَرًا، لا حاجةَ إلَيه؛ لأنَّه قد يَفرُغُ مِنْ العَملِ قبلَ انقِضاءِ المدَّةِ؛ فإنِ استُعمِلَ في بَقيَته فقَد زادَ على ما وقعَ عليه العَقدُ، وإنْ لَم يَعمَلْ كانَ تارِكًا لِلعَملِ في بَعضِه؛ فهذا غَرَرٌ أمْكَنَ التحَرُّزُ مِنه، ولَم يُوجَدْ مِثلُه في مَحَلِّ الوِفاقِ؛ فلَم يَجُزِ العَقدُ مَعَه.

وَلأنَّ ذِكرَ الوَقتِ دَليلٌ على أنَّ المَنفَعةَ مَعقودٌ عليها، وأنَّ ذِكْرَ العَملِ دَليلُ كَونِه مَعقودًا عليه، وأنَّ نَفعَ المُستَأجِرِ في الثَّاني، ونَفعَ الأجيرِ في الأولِ، ولا تَرجيحَ لِأحَدِهِما على الآخَرِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهما يَقَعُ مَعقودًا عليه في بابِ الإجارةِ؛ فصارَ المَعقودُ عليه مَجهولًا جَهالةً تُفضي إلى المُنازَعةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>