للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنَّ الفَتوى عندَ مُتأخِّري الحَنفيةِ عَدمُ جَوازِ حُكمِ القاضِي بعِلمِه لفَسادِ الزَّمانِ.

قالَ ابنُ عابدينَ: «للقاضِي العَملُ بعِلمِه والفَتوى على عَدمِه في زَمانِنا كما نقَلَه في الأَشباهِ عن جامعِ الفُصولَينِ، وقيَّدَ بزَمانِنا لفَسادِ القُضاةِ فيه، وأَصلُ المَذهبِ الجَواز» (١).

الصُّورةُ الثانيةُ: أنْ يَحكمَ بعِلمِه في الحُدودِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في القاضِي إذا علِمَ حالَ المَحكومِ فيه ولمْ تَقمْ عندَه بَينةٌ مِثلُ أنْ يَعلمَ أنَّ رَجلًا زَنى أو سرَقَ هل يُقامُ عليه الحَدُّ لعِلمِه بذلك أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ القاضِي لا يَحكمُ بعِلمِه في الحُدودِ لا فيما علِمَه قبلَ الوِلايةِ أو بعدَها؛ لأنَّه خَصمٌ فيها؛ لأنَّها حقُّ اللهِ تَعالى وهو نائبُه، ومَبنى حُقوقِ اللهِ تَعالى على السَّترِ لقَولِ النبيِّ : «هلَّا ستَرْتَه بثَوبِكَ يا هَزالُ؟» (٢).

ولقَولِه تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤]، فأمَرَ بجَلدِ القاذفِ متى لمْ يُقمِ البَينةَ.

وقَولِه في حَديثِ هِلالِ بنِ أَميةَ لمّا لاعَنَ امرَأتَه: «إنْ جاءَتْ به على نَعتِ كذا فهو لهِلالٍ، وإنْ جاءَتْ به على نَعتِ كذا فهو لشَريكٍ»، فجاءَتْ به على النَّعتِ المَكروهِ، فقالَ : «لو كنْتُ


(١) «حاشية ابن عابدين» (٥/ ٤٢٣)، و (٥/ ٤٣٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>