وقالَ الشافِعيُّ في أحَدِ قَوليهِ: هو أحَقُّ، وإنْ وجَدَ الأبُ مَنْ يُرضِعُ ولَدَه بأقلَّ مِنْ ذلكَ أو يَتبرعَ بالرَّضاعِ فإنهُ يُجبَرُ على أنْ يُعطيَها أُجرةَ مثلِها، وعن الشافِعيِّ قَولٌ آخَرُ كمَذهبِ أبي حَنيفةَ (١).
الحَالةُ الثانيةُ: أنْ تَكونَ الأمُّ في عِصمةِ الزَّوجِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو كانَتِ الأمُّ في عِصمةِ الزَّوجِ هل يَجبُ عليها إرضاعُ الصَّغيرِ؟ أم يَجبُ على الأبِ الاستِرضاعُ لوَلدِه؟
فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه يَجبُ على الأمِّ إرضاعُ وَلدُها، إلا أنْ يكونَ مِثلُها لا يُرضِعُ لشَرفٍ وعِزٍّ وعُلوِّ قَدرٍ، أو لسُقمٍ وقلَّةِ لَبنٍ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ المُرادُ به الخبَرَ؛ لأنه لا فائِدةَ فيه، فثبَتَ أنَّ المُرادَ به الأمرُ.
ولأنَّ اللهَ تعالَى أمَرَ الوالِداتِ الزَّوجاتِ بإرضاعِ أولادِهنَّ، وأوجَبَ لهُنَّ على الأزواجِ النَّفقةَ والكِسوةَ، والزَّوجيةُ قائِمةٌ، فلَم يَجمعْ لها النَّفقةِ والأجرةِ، فلو كانَ الرَّضاعُ على الأبِ لَذكَرَه مع ما ذكَرَ مِنْ رِزقِهنَّ وكِسوتِهنَّ، ولم يُوجِبْ ذلك على الوالِداتِ.
ولأنَّ العُرفَ جارٍ بذلكَ في غالِبِ أمورِ النَّاسِ أنَّ المَرأةَ تَلي رَضاعَ وَلدِها بنَفسِها مِنْ غيرِ أنْ يُكلَّفَ زوجُها أجرةً، وما يَجري العُرفُ به فهو كالمَشروطِ، ولأنه لو كانَ لا يَقبلُ مِنْ الرَّضاعِ غيرَها لَلزِمَها إرضاعُه، وما يُستحقُّ على الإنسانِ الجَبْرُ عليهِ لا يَستحقُّ عليهِ أجرةً، عَكسُه الأجنبيةُ.