للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسخُ الإجارةِ بالأعذارِ:

ذَكَرْنا أنَّ الفُقهاءَ مُتفِقونَ على أنَّ عَقدَ الإجارةِ عَقدٌ لَازِمٌ، فلا يُفسَخُ إلَّا برِضَا الطَّرفَيْنِ؛ إلَّا أنَّ فُقهاءَ المَذاهبِ الأربَعةِ اختَلفوا في عَقدِ الإجارةِ، هَلْ يَنفَسِخُ بالأعذارِ، كالمَوتِ والمَرَضِ والتَّلَفِ، أو لا؟ وَما هي الأعذارُ التي يُفسَخُ بها عَقدُ الإجارةِ؟

فذهبَ الحَنفيَّةُ إلى أنَّ الإجارةَ تَنفَسِخُ بالأعذارِ؛ لأنَّ المَنافِعَ غيرُ مَقبوضةٍ، وهي المَعقودُ عليها، فصارَ العُذرُ في الإجارةِ؛ كالعَيْبِ قبلَ القَبضِ في البَيعِ، فتُفسَخُ به؛ إذِ المَعنَى يَجمَعُهُما، وهو عَجزُ العاقِدِ عن المُضِيِّ في مُوجِبِه إلَّا بتحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَم يُستَحقَّ به، وهذا هو مَعنَى العُذرِ عِندَنا، وهو كَمَنِ استَأجَرَ حَدَّادًا لِيَقلَعَ ضِرسَه لِوَجَعٍ به، فسَكَنَ الوَجَعُ، أوِ استَأجَرَ طَبَّاخًا لِيَطبُخَ له طَعامَ الوَليمةِ، فاختُلِعَتْ مِنه، تُفسَخُ الإجارةُ؛ لأنَّ في المُضيِّ عليه إلزامُ ضَرَرٍ زائِدٍ لَم يُستَحقَّ بالعَقدِ.

وَكَذا مَنِ استَأجَرَ دُكَّانًا في السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فيه، فذَهَبَ مالُه، وكَذا مَنْ أجَّرَ دُكَّانًا أو دارًا، ثم أفلَسَ ولَزِمتْهُ دُيونٌ لا يَقدِرُ على قَضائِها إلَّا بثَمنِ ما أجَّرَ، فُسِخَ العَقدُ، وباعَها في الدُّيونِ؛ لأنَّ في الجَرْيِ على مُوجِبِ العَقدِ إلزامَ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَم يُستَحقَّ بالعَقدِ، وهو الحَبسُ؛ لأنَّه قد لا يَصدُقُ على عَدَمِ مالٍ آخَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>