وحُكيَ عن أبي حَنيفةَ والشَّافِعيِّ أنَّه لا يَلزَمُ الضَّامِن شَيءٌ؛ لأنَّه فَرعٌ عن المَضمونِ عنه، ولَم يَلزَمِ المَضمونَ عنه شَيءٌ، فكَذلك فَرعُه.
ولَنا: أنَّ الوَكيلَ مُقِرٌّ بأنَّ الحَقَّ في ذِمَّةِ المَضمونِ عنه، وأنَّه ضامِنٌ عنه، فلَزِمَه ما أقَرَّ به، كما لو ادَّعى على رَجُلٍ أنَّه ضَمِن له ألْفًا على أجنَبِيٍّ، فأقَرَّ الضَّامِنُ بالضَّمانِ وصِحَّتِه، وثُبوتِ الحَقِّ في ذِمَّةِ المَضمونِ عنه، وكما لو ادَّعى شُفعةً على إنسانٍ في شِقصٍ اشتَراه، فأقَرَّ البائِعُ بالبَيعِ، فأنكَرَه المُشتَرِي؛ فإنَّ الشَّفِيعَ يَستحقُّ الشُّفعةَ في أصَحِّ الوَجهيْنِ، وإنْ لَم تَدَّعِ المَرأةُ صِحَّةَ ما ذكَره الوَكيلُ فلا شَيءَ عليه، ويُحتمَلُ أنَّ مَنْ أسقَطَ عنه الضَّمانَ أسقَطَه في هذه الصُّورةِ، ومَن أوجَبَه في الصُّورةِ الأُخرَى لا يَكونُ فيها اختِلافٌ، واللَّهُ أعلَمُ (١).
الحالةُ السَّادِسةُ: الِاختِلافُ في صِفةِ الوَكالةِ:
إذا اختَلفَ المُوكِّلُ والوَكيلُ في صِفةِ الوَكالةِ، بأنْ قالَ المُوكِّلُ: وَكَّلتُكَ في بَيعِ هذا الثَّوبِ، فقالَ: بَلْ وَكَّلتَني في بَيعِ هذه الدَّابَّةِ، أو قالَ: وَكَّلتُكَ في البَيعِ بألْفَيْنِ، فقالَ: بَلْ بألْفٍ، أو قالَ: وَكَّلتُكَ في بَيعِه نَقدًا، فقالَ: بَلْ نَسيئةً، أو قالَ: وَكَّلتُكَ في شِراءِ عَبدٍ، فقالَ: بَلْ في شِراءِ أَمَةٍ، أو قالَ: وَكَّلتُكَ في الشِّراءِ بخَمسةٍ، قالَ: بَلْ بعَشَرةٍ.
(١) «المغني» (٥/ ٦١، ٦٢)، و «الكافي» (٢/ ٢٥٤)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٢٥٤، ٢٥٥)، و «المبدع» (٤/ ٣٨٤)، و «الإنصاف» (٥/ ٤٠٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٦٩، ٥٧٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣٥٣٨)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٤٨٢).