اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ إيلاءِ الكافِرِ هل يَصحُّ أم لا؟ وفائِدةُ ذلكَ: هلْ يُؤاخَذُ بعدَ إسلامِه بوَقفٍ وبكفَّارةٍ إنْ حنَثَ أم لا؟
ذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ -على تَفصيلٍ عندَهم- والشافِعيةُ والحَنابلةُ والمالِكيةُ في قَولٍ إلى أنه يَصحُّ إيلاءُ الكافِرِ كما يَصحُّ إيلاءُ المُسلمِ؛ لعُمومِ قولِه تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦] فعَمَّ ولم يَخصَّ، ولأنَّ مَنْ صحَّ طَلاقُه أو يَمينُه عندَ الحاكِمِ .. صَحَّ إيلاؤُه كالمُسلمِ (١).
إلا أنَّ الحَنفيةَ قالوا: إذا حلَفَ الذِّميُّ بعِتقٍ أو طَلاقٍ أنْ لا يقرَبَها فهو مُولٍ بالاتِّفاقِ، وإنْ حلَفَ بصَدقةٍ أو حَجٍّ لم يَكنْ مُوليًا بالاتِّفاقِ، وإنْ حلَفَ باللهِ أو بصِفةٍ مِنْ صِفاتِه كانَ مُوليًا في قولِ أبي حَنيفةَ، نحوُ:«واللهِ لا أقرَبُكِ»، فإنْ قرَبَها لا تَلزمُه كفَّارةٌ، وفائدةُ كونِه مُوليًا أنَّ المدَّةَ لو مضَتْ بلا قُربانٍ بانَتْ بتَطليقةٍ.
وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: إنْ حلَفَ باللهِ تعالى أو بصِفةٍ مِنْ صفاتِه لا يَكونُ مُوليًا.
قالَ أبو بَكرٍ الجَصاصُ ﵀: لمَّا كانَ مَعلومًا أنَّ الإيلاءَ إنَّما يَثبتُ حُكمُه لِمَا يتعلَّقُ بالحِنثِ مِنْ الحقِّ الذي يَلزمُه فواجِبٌ على هذا أنْ يَصحَّ إيلاءُ الذميِّ إذا كانَ بالعِتقِ والطلاقِ؛ لأنَّ ذلك يَلزمُه كما يَلزمُ المُسلمَ، وأمَّا
(١) «الإفصاح» (٢/ ١٨٥، ١٨٦)، و «البيان» (١٠/ ٢٧٤)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٧).