إذا انتَقضَ عَهدُ أهلِ الذِّمةِ جازَ أَخذُ كَنائسِهم ومَعابدِهم منهم، الصُّلحيَّةِ والعَنويَّةِ، وهذا مما لا خِلافَ فيه بينَ المَذاهبِ الأربَعةِ.
قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ ﵀: ومتى انتَقضَ عَهدُهم جازَ أَخذُ كَنائسِ الصُّلحِ منهم، فَضلًا على كَنائسِ العَنوةِ، كما أخَذَ النَّبيُّ ﷺ ما كانَ لقُريظةَ والنَّضيرِ لمَّا نقَضُوا العَهدَ؛ فإنَّ ناقِضَ العَهدِ أَسوأُ حالًا من المُحاربِ الأَصليِّ، كما أنَّ ناقِضَ الإيمانِ بالرِّدةِ أَسوأُ حالًا من الكافِرِ الأَصليِّ.
ولذلك لو انقرَضَ أهلُ مِصرٍ من الأَمصارِ ولم يَبقَ من دخَلَ في عَهدِهم؛ فإنَّه يَصيرُ للمُسلِمينَ جَميعُ عَقارِهم ومَنقولِهم من المَعابدِ وغيرِها فَيئًا، فإذا عُقدَت الذِّمةُ لغيرِهم كانَ كالعَهدِ المُبتدأِ، وكانَ لمَن يَعقِدُ لهم الذِّمةَ أنْ يُقرَّهم في المَعابدِ وله ألَّا يُقرَّهم، بمَنزلةِ ما فُتحَ ابتِداءً؛ فإنَّه لو أرادَ الإمامُ عندَ فَتحِه هدْمَ ذلك جاز بإجماعِ المُسلِمينَ ولمْ يَختلِفوا في جَوازِ هَدمِه، وإنَّما اختلَفوا في جَوازِ بَقائِه، وإذا لمْ تَدخلْ في العَهدِ كانَت فَيئًا للمُسلِمينَ.
ثم قالَ ﵀: وهذا مَذهبُ الأئِمةِ الأربَعةِ في الأمصارِ ومَذهبُ جُمهورِهم في القُرى، وما زالَ مَنْ يُوفِّقُه اللهُ من وُلاةِ أُمورِ المُسلِمينَ يُنفِذُ ذلك ويَعملُ به، مِثلَ عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ الذي اتَّفقَ المُسلِمونَ على أنَّه إِمامُ هُدًى، فرَوى الإمامُ أحمدُ عنه أنَّه كتَبَ إلى نائِبه على اليَمنِ أنْ يَهدمَ الكَنائسَ التي في أَمصارِ المُسلِمينَ فهدَمَها بصَنعاءَ وغيرِها.