للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتِجاجُ أَبي حَنيفةَ في النِّصابِ بهذا العُمومِ فيه ضَعفٌ، فإنَّ الحَديثَ إنَّما خُرِّجَ مُخرَجَ تَبيِينِ القَدرِ الواجِبِ منه (١).

وقالَ ابنُ القَيمِ : يَجبُ العَملُ بكِلا الحَديثَينِ، ولا يَجوزُ مُعارَضةُ أحَدِهما بالآخَر، وإلغاءُ أحدِهما بالكُلِّيةِ؛ فإنَّ طاعةَ الرَّسولِ فَرضٌ في هذا وفي هذا، ولا تَعارُضَ بينَهما بحَمدِ اللهِ تَعالى، بوَجهٍ من الوُجوهِ؛ فإنَّ قَولَه: «فيمَا سَقَت السَّماءُ العُشرُ»، إنَّما أُريدَ به التَّمييزُ بينَ ما يَجبُ فيه العُشرُ وما يَجبُ فيه نِصفُه، فذِكرُ النَّوعَينِ مُفرَّقًا بينَهما في مِقدارِ الواجِبِ.

وأمَّا مِقدارُ النِّصابِ؛ فسكَتَ عنه في هذا الحَديثِ، وبيَّنَه نَصًّا في الحَديثِ الآخَرِ، فكيفَ يَجوزُ العُدولُ عن النَّصِّ الصَّحيحِ الصَّريحِ المُحكمِ -الذي لا يَحتمِلُ غيرَ ما أُوِّل عليه ألبَتَّةَ- إلى المُجمَلِ المُتشابِهِ الذي غايَتُه أنْ يُتعلَّق فيه بعُمومٍ، لم يَقصِدوا بَيانَه بالخاصِّ المُحكمِ المُبيَّنِ، كبَيانِ سائِرِ العُموماتِ بما يَخُصُّها من النُّصوصِ؟ (٢)

النِّصابُ فيما لا يُكالُ:

ما ذُكرَ من النِّصابِ «الأوسُقُ الخَمسةُ» إنَّما هو في المَكيلاتِ من الحاصِلاتِ الزِّراعيَّةِ، أمَّا ما لا يُقدَّرُ بالكَيلِ كالقُطنِ والزَّعفَرانِ فقد اختلَفوا في تَقديرِ نِصابِه.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٣٦٥).
(٢) «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٢٩، ٢٣٠)، وانظر: «ابن عابدين» (٢/ ٤٩)، و «المغني» (٣/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>