١٢ - المُخالَفةُ إذا وكَّله المُوكِّلُ ببَيعٍ أو شِراءٍ فاسِدٍ فباعَ صَحيحًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَكيلِ إذا وكَّله المُوكِّلُ ببَيعٍ أو شِراءٍ فاسِدٍ هَلْ يَملِكُه ويَعقِدُه عَقدًا صَحيحًا أو لا، أو يَجوزُ له العَقدُ مُطلَقًا؟
فَذهَب الإمامانِ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ إلى أنَّ المُوكِّلَ لو قالَ لِلوَكيلِ: بِعْه بَيعًا فاسِدًا؛ فإنَّ الوَكيلَ يَملِكُ البَيعَ الصَّحيحَ؛ فإذا باعَه بَيعًا جائِزًا صَحَّ العَقدُ، وهذا استِحسانٌ عندَهما؛ لأنَّه مِنْ جِنسِ التَصرُّفِ الذي أمَرَه به، وهو خَيرٌ لِلآمِرِ ممَّا أمَرَه به، فلا يَكونُ مُخالِفًا؛ لأنَّ هذا ليسَ بخِلافٍ حَقيقةً؛ لأنَّ البَيعَ الصَّحيحَ خَيرٌ، وَكُلُّ مُوَكَّلٍ بشَيءٍ مُوَكَّلٌ بما هو خَيرٌ مِنه دِلالةً، والثَّابِتُ دِلالةً كالثَّابِتِ نَصًّا، فكانَ آتيًا بما وُكِّلَ به، فلا يَكونُ مُخالِفًا كالوَكيلِ بالبَيعِ بألْفٍ إذا باعَ بألفَيْنِ، وبَيانُه أنَّه أمَرَه بأنْ يُطعِمَه الحَرامَ بالتِّجارةِ، وهو أطعَمَه الحَلالَ، والتِّجارةُ مَشروعةٌ لِاكتِسابِ الحَلالِ بها دونَ الحَرامِ (١).
وذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ ومُحمَّدُ بنُ الحَسَنِ وزُفَرُ مِنْ الحَنفيَّةِ إلى أنَّ المُوكِّلَ إذا وكَّله ببَيعٍ أو شِراءٍ فاسِدٍ فليسَ له البَيعُ، ولا الشِّراءُ مُطلَقًا، لا صَحيحًا؛ لأنَّ المُوكِّلَ لَم يَأذَنْ فيه، ولا فاسِدًا؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالى لَم يَأذَنْ فيه، ولأنَّ المُوكِّلَ لا يَملِكُه، فالوَكيلُ أَوْلَى؛ لأنَّه تَوكيلٌ لا يَتضَمَّنُ بَيعًا شَرعيًّا، فوجَب ألَّا يَملِكَ به الوَكيلُ البَيعَ، أصْلُه
(١) «المبسوط» (١٩/ ٥٦)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٩).