للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يَلزمُ الإمامَ فِعلُه إذا عقَد الهُدنةَ:

إذا عقَد الإمامُ الهُدنةَ لقَومٍ من المُشرِكينَ فعليه أنْ يَمنعَ عنهم كلَّ من قصَدهم من المُسلِمينَ وأهلِ الذِّمةِ؛ لأنَّ عَقدَ الهُدنةِ اقتَضى ذلك. ويَجبُ على المُسلِمينَ وأهلِ الذِّمةِ ضَمانُ ما أتلَفوه عليهم من نَفسٍ ومالٍ، والتَّعزِيرُ بقَذفِهم.

ولا يَجبُ على الإمامِ أنْ يَمنعَ بَعضَهم من بَعضٍ، وألا يَمنعَ عنهم أهلَ الحَربِ؛ لأنَّ الهُدنةَ لم تُعقَدْ على حِفظِهم، وإنَّما عُقِدت على تَركِ قِتالِهم، بخِلافِ أهلِ الذِّمةِ؛ فإنَّهم قد التَزَموا أحكامَ المُسلِمينَ، فلذلك وجَبَ على الإمامِ مَنعُ كلِّ مَنْ قصَدهم، وهؤلاء لم يَلتزِموا أحكامَ المُسلِمينَ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : فإنْ أغارَ عليهم قَومٌ آخَرونَ فسَبَوْهم لم يَلزمْه استِنقاذُهم، وليسَ لمُسلِمينَ شِراؤُهم؛ لأنَّهم في عَهدِهم، فلا يَجوزُ لهم أذاهم ولا استِرقاقُهم، وذكَرَ الشافِعيُّ ما يَدلُّ على هذا، ويَحتمِلُ جَوازَ ذلك، وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ؛ لأنَّه لا يَجبُ أنْ يَدفَعَ عنهم فلا يَحرُمُ استِرقاقُهم بخِلافِ أهلِ الذِّمةِ، فعلى هذا إنِ استَولى المُسلِمونَ على الذين أسَروهم وأخَذُوا أموالَهم فاستَنقَذوا ذلك منهم لم يَلزمْ رَدُّه إليهم على هذا القَولِ، ومُقتَضى القَولِ الأولِ وُجوبُ رَدِّه كما تُرَدُّ أموالُ أهلِ الذِّمةِ إليهم (١).


(١) «المغني» (٩/ ٢٤٠، ٢٤١)، و «البيان» (١٢/ ٣١٣)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥٤)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٩٧)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٤٢)، و «كنز الراغبين» (٤/ ٥٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>