للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الحَسنِ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «لا أُعفِي مَنْ قتَلَ بعدَ أَخذِه الدِّيةَ» (١)، ولأنه قتَلَ مَعصومًا مُكافئًا، فوجَبَ عليهِ القِصاصُ كما لو لم يَكنْ قتَلَ.

فصلٌ: وإذا عَفَا عن القاتلِ مُطلَقًا صَحَّ ولم تَلزمْه عُقوبةٌ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ وإسحاقُ وابنُ المنذِرِ وأبو ثَورٍ، وقالَ مالكٌ والليثُ والأوزاعيُّ: يُضرَبُ ويُحبسُ سَنةً.

ولنا: إنه إنَّما كانَ عليهِ حقٌّ واحدٌ وقد أسقَطَه مُستحِقُّه، فلَم يَجبْ عليهِ شيءٌ آخَرُ كما لو أسقَطَ الديةَ عن القاتلِ خَطأً (٢).

الدِّيةُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في مُستحَقِّ القَتلِ، هل هو القَودُ فقطْ ولا تَجبُ الدِّيةُ إلا بالتَّراضي؟ أم مُستحقُّ القتلِ مُخيَّرٌ بينَ القَودِ والدِّيةِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ قتْلَ العَمدِ مُوجِبٌ للقَودِ، ولا تَجبُ الدِّيةُ إلا برِضَى الجاني، وإذا ماتَ الجانِي سقَطَ القِصاصُ؛ لفَواتِ مَحلِّه ولا تَجبُ الدِّيةُ.

وهذا لأنَّ مُوجبَ العَمدِ القَودُ عَينًا، فلا يَجبُ المالُ إلا بالصُّلحِ برِضَا القاتِلِ، بَيانُه قَولُه تعالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]، فلو وجَبَ المالُ أو أحَدُهما لا يَكونُ النَّفسُ بالنَّفسِ، وشَريعةُ مَنْ تَقدَّمَنا


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٤٥٠٧)، وأحمد في «المسند» (١٤٩٥٤).
(٢) «المغني» (٨/ ٢٧٩، ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>