وقالَ الشَّافِعيَّةُ: إنْ وكَّله في بَيعِ سِلعةٍ إلى أجَلٍ مَعلومٍ، فباعَها حالًّا بالثَّمنِ الذي يُباعُ به إلى الأجَلِ، فإنْ كانَتْ في وَقتٍ لا يُؤمَنُ أنْ يُسرَقَ الثَّمنُ، أو يُنهَبَ إلى الأجَلِ، أو كانَ لِحِفظِه مُؤنةٌ في الحالِ، لَم يَصحَّ البَيعُ؛ لأنَّ في ذلك ضَرَرًا عليه لَم يَرضَ به، وإنْ كانَ الوَقتُ مَأْمونًا ففيه وَجْهانِ:
والآخَرُ: لا يَصحُّ؛ لأنَّه قَدْ يَكونُ له غَرَضٌ في كَون الثَّمنِ في ذِمَّةِ مَلِيءٍ إلى وَقتِ الأجَلِ؛ لأنَّه قَدْ يَحتاجُ إليه في ذلك الوَقتِ، وإذا حصَل في يَدِه فرُبَّما أنفَقَه (١).
الحالة الأُخرى: أنْ يَبيعَ حالًّا بأقَلَّ ممَّا أمَرَه أنْ يَبيعَ به نَسيئةً:
فَذهَب الحَنفيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إنْ باعَ حالًّا بأقَلَّ ممَّا أمَرَه أنْ يَبيعَ به نَسيئةً لَم يَصحَّ؛ لأنَّه مُخالِفٌ لِمُوكِّلِه؛ لأنَّه رَضيَ بثَمَنِ النَّسيئةِ دونَ ثَمَنِ النَّقدِ، ولأنَّه -وإنْ خالَفَ إلى خَيرٍ مِنْ حيثُ التَّعجيلُ- خالَفَ إلى شَرٍّ مِنْ حيثُ المِقدارُ، والخِلافُ إلى شَرٍّ مِنْ وَجهٍ يَكفي في المَنعِ، ولأنَّ الثَّمنَ بالبَيعِ نَسيئةً أزيَدُ مِنْ البَيعِ نَقدًا، وكانَ المَقصِدُ مِنْ الآمِرِ بالبَيعِ نَسيئةً هو الحُصولُ على ثَمَنٍ أزيَدَ، ولمَّا كانَ البائِعُ
(١) «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (٦/ ٤٣٢)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٥٤٤)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥١٢).