للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا لم يَكنْ له حَدٌّ في الشَّرعِ ولا في اللُّغةِ كانَ المَرجعُ فيه إلى عُرفِ الناسِ وعاداتِهم، فما سَمَّوْه بَيعًا فهو بَيعٌ، وما سَمَّوْه هِبةً فهو هِبةٌ (١).

ثانيًا: القَبولُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الهِبةِ هل يُشترطُ لها القَبولُ أو يَكفي القَبضُ ويَقومُ مَقامَ القَبولِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ في المَذهبِ -وهو القياسُ- والمالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ، وهو قَولٌ للحَنابِلةِ إلى أنَّه يُشترطُ القَبولُ؛ لأنَّ الهِبةَ عَقدٌ، وقيامُ العَقدِ يَكونُ بالإِيجابِ والقَبولِ؛ لأنَّ مِلكَ الإِنسانِ لا يَنتقِلُ للغيرِ ما لم يَملِكْ من طَرفِه للغيرِ ويُوجبُ المالِكُ ذلك، كما أنَّ إِيجابَ الهِبةِ هو إِلزامُ المِلكِ للغيرِ ولا إِلزامَ بدونِ قَبولٍ.

ولا يُقالُ: إنَّه لا يُشترطُ القَبولُ في ذلك؛ لأنَّ الأمرَ المُلزَمَ به فيه فائِدةُ المُلزِمِ؛ لأنَّه ليسَ لأحدٍ أنْ يُثبتَ مِلكًا لآخَرَ بدونِ رِضاءِ ذلك الآخَرِ (٢).

قالَ الحَنفيةُ: ولأنَّ الهِبةَ تَصرُّفٌ شَرعيٌّ، والتَّصرُّفُ الشَّرعيُّ وُجودُه شَرعًا باعتِبارِه، وهو انعِقادُه في حَقِّ الحُكمِ (التَّمليكِ)، والحُكمُ لا يَثبتُ بالإِيجابِ نَفسِه فلا يَكونُ الإِيجابُ نَفسُه هِبةً شَرعًا بدونِ قَبولٍ، ولهذا لم يَكُنِ الإِيجابُ بدونِ القَبولِ في البَيعِ بَيعًا فكذا هذا (٣).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ١٥، ١٦).
(٢) «درر الحكام» (٢/ ٣٤٨).
(٣) «بدائع الصنائع» (٦/ ١١٥)، و «الاختيار» (٣/ ٥٨)، و «الهداية» (٣/ ٢٢٤)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٩١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٩، ٦٠)، و «العناية» (١٢/ ٢٦٥)، و «اللباب» (١/ ٦٠١، ٦٠٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٣)، و «ابن عابدين» (٥/ ٦٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>