للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدلُّ على صِحةِ هذه القاعِدةِ في الجُملةِ؛ لأنَّ أهلَ الذِّمةِ من أهلِ دارِ الإِسلامِ، ومُلتزِمونَ أَحكامَ الإِسلامِ في المُعامَلاتِ (١).

قالَ الإمامُ الشافِعيُّ في «الأُمِّ»: تَبطُلُ بينَهم البُيوعُ التي تَبطُلُ بينَ المُسلِمينَ كلُّها، فإذا مضَتَ واستُهلِكت لم نُبطِلْها، وقالَ: فإنْ جاءَ رَجلانِ منهم قد تَبايَعا خَمرًا ولمْ يَتقابَضاها أَبطَلنا البَيعَ، وإنْ تَقابَضاها لم نَرُدَّه؛ لأنَّه قد مَضى (٢).

إلا أنَّ هناك ما يُستَثْنى من هذه القاعِدةِ نُجمِلُه فيما يلي:

أ- المُعامَلةُ بالخَمرِ والخِنزيرِ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّه لا تَجوزُ المُعامَلةُ بالخَمرِ والخِنزيرِ بينَ المُسلِمينَ مُطلَقًا؛ لأنَّهما لا يُعتبَرانِ مالًا مُتقوَّمًا عندَ المُسلِمينَ، وقد رُوي عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «إنَّ اللهَ ورَسولَه حرَّم بَيعَ الخَمرِ والمَيْتةِ والخِنزيرِ والأَصنامِ» (٣)، لكنَّهم أقَرُّوا المُعامَلةَ بالخَمرِ والخِنزيرِ بينَ أهلِ الذِّمةِ، بنَحوِ شُربٍ أو بَيعٍ أو هِبةٍ أو مِثلِها بشَرطِ عَدمِ الإِظهارِ؛ لأنَّ مُقتَضى عَقدِ الذِّمةِ: أنْ يُقَرَّ الذِّميُّ على الكُفرِ مُقابِلَ الجِزيةِ، ويُتْرَكَ وشأنَه فيما يَعتقِدُه من الحِلِّ والحُرمةِ، والمُعاملةُ بالخَمرِ والخِنزيرِ مما يُعتقَدُ جَوازُها، وهذا مَحلُّ اتِّفاقٍ بينَ الفُقهاءِ في الجُملةِ (٤).


(١) «المغني» (١٢/ ٦٨٨)، و «كشاف القناع» (٣/ ١١٧)، و «جواهر الإكليل» (٢/ ٢٥، ١٨١).
(٢) «الأم» للشافعي (٤/ ٢١١)، وانظُر: كتابي: «أحكام أهل الذمة» (٣٤٤، ٣٥٠).
(٣) رواه البخاري (٢١٢١)، ومسلم (١٥٨١).
(٤) «البدائع» للكاساني (٥/ ١٤٣)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٤٧٠)، و «حاشية الجمل» (٣/ ٤٨١)، و «الأحكام السلطانية» للماوردي ص (١٤٥)، و «الأحكام السلطانية» لأبي يعلى ص (١٤٣)، و «المغني» لابن قدامة (٥/ ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>