للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرعُ تَحققَه-، ومثالُ الأَولِ: نَذر صِيامِ أَمسِ أو اعتِكافِ شَهرٍ مَضى، ومِثالُ الثانِي: نَذرُ المَرأةِ صيامَ أيامِ حَيضِها، أو نَذرُ صِيامِ اللَّيلِ لأنَّ اللَّيلَ ليسَ مَحلًّا للصَّومِ والحَيضُ مُنافٍ له شَرعًا؛ إذ الطَّهارةُ عن الحَيضِ والنِّفاسِ شَرطُ وُجودِ الصَّومِ الشَّرعيِّ، فإذا نذَرَ هذا فإنَّه لا يَنعقدُ مثلُ هذا ولا يُوجبُ شَيئًا لأنَّه لا يُتصوَّرُ انعِقادُه ولا الوَفاءُ به، ولو حلِفَ على فِعلِه لمْ تَلزمْه كَفارةٌ فالنَّذرُ أَولى (١).

وفي احتِمالٍ للحَنابلةِ أنَّه يُوجبُ الكَفارةَ كيَمينِ الغَموسِ؛ لأنَّ النَّذرَ يَمينٌ وموُجِبُه مُوجِبُها إلا في لُزومِ الوَفاءِ به إذا كانَ قُربةً وأمكَنَه فِعلُه (٢).

مَنْ نذَرَ نَذرًا لا يُطيقُه أو عجَزَ عنه بعدَ قُدرتِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ نذَرَ طاعةً لمْ يُطقْ على أَدائِها ابتداءً أو كانَ قادرًا عليها ثُم عجَزَ عن أَدائِها بعدَ ذلك ما الذي يَجبُ عليه؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الوَفاءَ بالمَنذورِ به نَفسِه حَقيقةً إنَّما يَجبُ عندَ الإِمكانِ، فأمَّا عندَ التَّعذرِ فإنَّما يَجبُ الوَفاءُ به تَقديرًا بخَلفِه؛ لأنَّ الخَلفَ يَقومُ مَقامَ الَاصلِ كأنَّه هو كالتُّرابِ حالَ عَدمِ الماءِ، والَاشهرُ حالَ عَدمِ الأَقراءِ حتى لو نذَرَ الشَّيخُ الفانِي بالصومِ يَصحُّ نَذرُه وتَلزمُه الفِديةُ لأنَّه عاجزٌ عن الوَفاءِ بالصَّومِ حقيقةً فيَلزمُه الوَفاءُ به تَقديرًا بخَلفِه ويَصيرُ كأنَّه صامَ.


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٨٢)، و «البحر الرائق» (٢/ ٣١٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٣٧٣).
(٢) «المغني» (١٠/ ٧٠)، و «الكافي» (٤/ ٤٢١)، و «المبدع» (٩/ ٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>