للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّوكيلُ في المَسائِلِ المُختَلَفِ فيها:

التَّوكيلُ في الخُصومةِ (الحُقوقِ):

اتَّفقَ الفُقهاءُ في الجُملةِ على صِحَّةِ التَّوكيلِ في الخُصومةِ في كلِّ حَقٍّ مِنْ الحُقوقِ، إذا كانَ المُوكِّلُ حاضِرًا وخَصمُه راضيًا؛ لأنَّ المُوكِّلَ يَملِكُ مُباشَرَةَ ذلك بنَفْسِه، فيَملِكُ تَفويضَه إلى غيرِه.

إلَّا أنَّ الفُقهاءَ اختَلَفوا في حُكمِ التَّوكيلِ في الخُصومةِ، أي: في مُطالَبةِ الحُقوقِ وإثباتِها، والمُحاكَمةِ فيها، مَع غَيبةِ المُوكِّلِ وغيرِ رِضا الخَصمِ، هَلْ تَجوزُ أو لا؟

فَذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه يَصحُّ التَّوكيلُ بالخُصومةِ في الحُقوقِ، بشَرطِ رِضا الخَصمِ، إلَّا أنْ يَكونَ المُوكِّلُ مَريضًا مَرَضًا يَمنَعُه مِنْ الحُضورِ، أو غائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ، أو مُريدًا لِلسَّفَرِ، أو مُخَدِّرةً، سَواءٌ كانَ وَكيلُ المُدَّعِي أو المُدَّعَى عليه، فحينَئذٍ يَجوزُ بغيرِ رِضا الخَصمِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ حَوالةٌ، وهي لا تَجوزُ إلَّا برِضا المُحالِ عليه، فكذا التَّوكيلُ؛ وهذا لأنَّ الخُصومةَ تَختلِفُ، والجَوابَ مُستحَقٌّ عليه، فصارَ نَظيرَ الحَوالةِ، ألَا تَرَى أنَّه لا يُوكِّلُ إلَّا مَنْ هو ألَدُّ وأشَدُّ إنكارًا، ويَلحَقُه بذلك ضَرَرٌ عَظيمٌ، فلا يَلزَمُه بدُونِ التِزامِه، كالحَوالةِ، بخِلافِ ما إذا كانَ به عُذرٌ مِنْ الأعذارِ التي ذَكَرْناها؛ لأنَّ الجَوابَ غيرُ مُستحَقٍّ عليه في هذه الحالةِ، فلا يَكونُ فيه إسقاطُ حَقٍّ مُستحَقٍّ عليه، ولا يُقبَلُ قَولُه: إنِّي أُريدُ أنْ أُسافِرَ، لكنَّ القاضيَ يَنْظُرُ في حالِه وفي عُدَّتِه؛ فإنَّه لا تَخفَى هَيئةُ مَنْ يُسافِرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>