للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصَّحيحُ أنَّها لا تَجِبُ على عاجِزٍ عنها؛ فإنَّ اللهَ لا يُكلِّفُ نَفسًا إلا وُسعَها، وإنَّما فرَضها عُمرُ على الفَقيرِ المُعتمِلِ لأنَّه يَتمكَّنُ مِنْ أدائِها بالكَسبِ، فقَواعِدُ الشَّريعةِ كلُّها تَقتَضي ألَّا تَجِبَ على عاجِزٍ كالزَّكاةِ والدِّيةِ والكَفارةِ والخَراجِ و ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: ٧] ولا واجِبَ مع عَجزٍ ولا حَرامَ مع ضَرورةٍ.

فإنْ قيلَ: نَحنُ لا نُكلِّفُه بها في حالِ إِعسارِه بل تَستقِرُّ دَينًا في ذِمتِه، فمَتى أيسَر طُولِبَ بها لما مَضى كسائرِ الدُّيونِ، قيلَ: هذا مَعقولٌ في دُيونِ الآدَميِّينَ، وأمَّا حُقوقُ اللهِ تَعالى؛ فإنَّه إنَّما أوجَبَها على القادِرينَ دونَ العاجِزينَ.

فإنْ قيلَ: الجِزيةُ أُجرةٌ عن سُكنى الدارِ فتَستقِرُّ في الذِّمةِ.

قيلَ: انتِفاءُ أحكامِ الإجارةِ عنها جَميعِها يَدلُّ على أنَّها ليسَت بأُجرةٍ، فلا يُعرَفُ حُكمٌ من أحكامِ الإجارةِ في الجِزيةِ، وقد تَقدَّمَ أنَّ عُمرَ أَجرى على السائِلِ الذِّميِّ رِزقَه من بَيتِ المالِ، فكيفَ يُكلَّفُ أداءَ الجِزيةِ وهو يُرزَقُ من بَيتِ مالِ المُسلِمينَ (١).

سادِسًا: ألاَّ يَكونَ من الرُّهبانِ المُنقَطِعين للعِبادةِ في الصَّوامِعِ:

اتَّفق الفُقهاءُ على أنَّ الرُّهبانَ إذا خالَطوا الناسَ في مَساكِنِهم ومَعايِشِهم فعليهم الجِزيةُ باتِّفاقِ المُسلِمينَ، وهُم أوْلى بها من عَوامِّهم؛ فإنَّهم رُؤوسُ الكُفرِ وهُم بمَنزِلةِ عُلمائِهم وشَمامِستِهم.


(١) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>