أحَدُهما: قولُه: «أجَلُكم في أجَلِ مَنْ مَضَى قبلَكُم، كمَا بينَ صَلاةِ العَصرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ»، وإنَّما أرادَ بذلك الإخبارَ عن قِصَرِ الوقتِ، وقالَ ﷺ:«بُعِثتُ أنَا والسَّاعةُ كهاتَينِ»، وجَمعَ بينَ السَّبابةِ والوُسطَى، وفِي خَبرٍ آخرَ:«كما بينَ هذه وهذه»، فأخبَرَ فيه أنَّ الذي بَقيَ مِنْ مدَّةِ الدُّنيا كنُقصَانِ السَّبابَةِ عن الوُسطَى، وقد قُدِّرَ ذلك بنِصفِ السَّبعِ، فثَبت بذلك حينَ شَبَّهَ ﷺ أَجَلَنا في أَجَلِ مَنْ مَضَى قبلَنَا بوقتِ العَصرِ في قِصَرِ مدَّتِه أنَّه لا يَنبَغِي أن يكونَ مِنْ المِثلِ؛ لأنَّه لو كانَ كذلك لَكانَ أكثرَ مِنْ ذلك؛ فدلَّ ذلك على أنَّ وقتَ العَصرِ بعدَ المِثلَينِ.
والوَجهُ الآخَرُ مِنْ دِلالةِ الخَبرِ: المَثَلُ الذي ضَرَبَه ﷺ لنا ولِأهلِ الكتابَينِ بالعملِ في الأوقاتِ المَذكورَةِ، وأنَّهم غَضِبُوا، فقالوا: كُنَّا أكثرَ عمَلًا، وأَقَلَّ عَطَاءً؛ فلو كانَ وقتُ العَصرِ في المِثَلِ لَمَا كانَتِ النَّصَارَى أكثرَ عمَلًا مِنْ المُسلِمينَ، بل يَكونُ المُسلِمونَ أكثرَ عمَلًا؛ لأنَّ ما بينَ المِثلِ إلى الغُروبِ أكثرُ ممَّا بينَ الزَّوالِ إلى المِثلِ فثَبت بذلك أنَّ وقتَ العَصرِ أقصَرُ مِنْ وقتِ الظُّهرِ (١).
مَبدأُ وقتِ العَصرِ ونِهايَتُه:
أمَّا مَبدأُ وقتِ العَصرِ فذَهب جُمهورُ الفُقهاءِ المالكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحنابِلةُ والصَّاحبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ إلى أنَّ أوَّلَ وقتِ