للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتَجَّا على ذلك أيضًا بأنَّ النَّبيَّ ثبَتَ عنه أنَّه قصَرَ فيما دونَ المَسافاتِ المُحَدَّدةِ، فعَن أنَسٍ قالَ: «كانَ رَسولُ اللهِ إذا خرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثةِ أَميَالٍ، أو ثَلاثةِ فَراسِخَ، صلَّى رَكعَتينِ» (١)؛ فهو يَدلُّ صَراحةً على أنَّ القَصرَ يتعلَّقُ بمُطلَقِ السَّفرِ، ولو كانَ ثَلاثةَ أميالٍ، أو ثَلاثةَ فَراسِخَ.

قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : هو أصحُّ حَديثٍ ورَدَ في بَيانِ ذلك وأصرَحُه (٢)؛ وعن أنَسٍ أيضًا قالَ: «صلَّيتُ الظُّهرَ مع النَّبيِّ بالمَدينَةِ أَربَعًا، والعَصرَ بذِي الحُليفَةِ رَكعَتينِ» (٣)، وبينَهما ثَلاثَةُ أَميالٍ (٤).

الحكمُ بالنِّسبةِ لوَسائلِ السَّفرِ الحَديثةِ:

قد ذكَرْنا فيما سبَقَ أنَّ الفُقهاءَ حَدَّدوا أقَلَّ المَسافةِ التي تُشترطُ لقَصرِ الصَّلاةِ، وأنَّهم عَدُّوا السَّيرَ الوَسَطَ (مَشيَ الأَقدامِ وسَيرَ الإبلِ) هو الأساسَ في التَّقديرِ، وهي ما يَقرُبُ مِنْ (٨٦، ٤) تَقريبًا عندَ الجُمهورِ، والمَقصودُ هنا هو مَعرِفةُ الحُكمِ إذا استُعمِلَت وَسائِلُ السَّفرِ الحَديثةُ، كالقِطاراتِ، والسَّيَّاراتِ والطَّائِراتِ، حيثُ الرَّاحةُ وقِصرُ المدَّةِ.

وقد تَحدَّثَ الفُقهاءُ عن ذلك، فعندَ المالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابلَةِ


(١) «صحيح مسلم» (٦٩١).
(٢) «فتح الباري» (٢/ ٦٦٠).
(٣) رواه البخاري (١٠٨٩)، ومسلم (٦٩٠).
(٤) «زاد المعاد» (٢/ ٢٣٥)، و «المغني» (٢/ ٤٨١)، و «الإنصاف» (٢/ ١٨)، و «نيل الأوطار» (١/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>