للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ماتَ الواهِبُ أو المَوهوبُ له بعدَ العَقدِ وقبلَ القَبضِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ -كما تقدَّمَ- فيما لو ماتَ الواهِبُ أو المَوهوبُ له بعدَ العَقدِ وقبلَ القَبضِ، هل تَبطُلُ الهِبةُ أو تَصحُّ ويَقومُ وارِثُه مَقامَه؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ الهِبةَ تَبطُلُ بمَوتِ أحدِهما بعدَ العَقدِ وقبلَ التَّسليمِ؛ لأنَّه عَقدٌ جائِزٌ فبطَلَ بمَوتِ أحدِ المُتعاقدَين كالوَكالةِ والشَّركةِ؛ لأنَّ تَمامَ الهِبةِ بالقَبضِ، وكانَ القَبضُ في الهِبةِ كالقَبولِ في البَيعِ من حيثُ إنَّ المِلكَ يَثبُتُ به، فكما أنَّ مَوتَ أحدِهما بعدَ الإِيجابِ قبلَ القَبولِ يُبطِلُ البَيعَ، فكذلك الهِبةُ، ولأنَّ بمَوتِ الواهِبِ زالَ مِلكُه، وفاتَ تَسليطُه كالمُوكِّلِ، وأمَّا إذا ماتَ المَوهوبُ له فلأنَّه لمَّا ماتَ قبلَ قَبضِه: لم يَكنْ مالِكًا له، فلم يَكنْ مَوروثًا عنه (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في الصَّحيحِ من المَذهبِ إلى أنَّ الهِبةَ لا تَبطُلُ بمَوتِ الواهِبِ ولا المَوهوبِ له؛ لأنَّها تَؤولُ إلى اللُّزومِ كالبَيعِ المَشروطِ فيه الخِيارُ، وقامَ وارِثُه مَقامَه -أي: وارِثِ الواهِبِ- في الإقباضِ والإذنِ في القَبضِ، ووارِثُ المُتَّهبِ في القَبضِ؛ لأنَّه خَليفتُه، فعلى هذا إذا ماتَ الواهِبُ تخيَّرَ الوارِثُ في الإِقباضِ.


(١) «المبسوط» (١٢/ ٥٦، ٥٧)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٦٢)، و «البيان» (٨/ ١١٧)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٥٥٢)، و «الوسيط» (٥/ ٢١٥)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٨٨)، و «المغني» (٥/ ٣٨١)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٥٠)، و «المبدع» (٥/ ٣٦٣)، و «الفروع» (٤/ ٤٨٦)، و «الإنصاف» (٧/ ١١٩، ١٢١)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٦٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٩٤، ٣٩٥)، و «الروض المربع» (٢/ ١٨٢)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>