للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«بل زنَيْتُ فهو مِنْ زِنًا» كانَ ابنَه، ألَا تَرى أنَّ حُكمَ الولدِ في النفيِ والإثباتِ إليه دُونَ أمِّه، فكذلكَ نفيُه بالتِعانِه دُونَ أمِّه (١).

الشَّرطُ الثَّاني: أنْ يَنفيَ الوَلدَ على الفَوريَّةِ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الزوجَ إذا نَفَى نَسبَ الولدِ بعدَ الوِلادةِ ولاعَنَ انتَفى النَّسبُ عنه ولَحقَ بأمِّه.

قالَ أبو بَكرٍ الجصَّاصُ : وقدِ اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنه إذا نفَى ولَدَها أنه يُلاعِنُ ويلزمُ الوَلد أُمهُ ويَنتفِي نَسبُه مِنْ أبيهِ (٢).

إلا أنهُم اختَلفوا في وَقتِ نَفيِ الوَلدِ، هل يَلزمُه أنْ يَنفيَه على الفَورِ بعدَ الوِلادةِ فإنْ سَكتَ حتى حصَلَتِ التَّهنئةُ لم يَجُزْ له أنْ يَنفيَه؟ أم يَجوزُ أنْ يَنفيَه ما دامَتِ المَرأةُ في مُدةِ النفاسِ؟ أم ليسَ في ذلكَ وَقتٌ مُحدَّدٌ؟ وإنْ كانَ طَريقُ نَفيِ الوَلدِ طَريقُه الاجتِهادُ وغالِبُ الظَّنِّ عندَ عامَّةِ الفُقهاءِ.

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنه لا وقْتَ له؛ لأنَّ هذا أمرٌ يَحتاجُ إلى التأمُّلِ، فلا بُدَّ له مِنْ زَمانِ التأملِ، وأنه يَختلفُ باختِلافِ الأشخاصِ والأحوالِ، فتَعذَّرَ التوقيتُ فيه، فيُحكَّمُ فيه العادةُ مِنْ قَبولِ التَّهنئةِ وابتياعِ آلاتِ الوِلادةِ أو مُضيِّ مُدةٍ يفعلُ ذلكَ فيها عادةً، فلا يَصحُّ نَفيُه بعدَ ذلكَ، وبهذا يَبطلُ اعتِبارُ الفَورِ؛ لأنَّ معنَى التأملِ والتَّروي لا يَحصلُ بالفورِ.


(١) «الحاوي الكبير» (١١/ ٧٤).
(٢) «أحكام القرآن» (٥/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>