فمَن رَأى أنَّ ما في الحديث شَرعٌ زائدٌ على ما في الكِتابِ وهو قولُه تعالُى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣] وعلى قولِه ﷺ: «يَحرمُ مِنَ الرضاعةِ ما يَحرمُ مِنَ الولادةِ» قالَ: لبنُ الفَحلِ مُحرِّمٌ.
ومَن رَأى أنَّ آيةَ الرَّضاعِ وقولَه:«يحرمُ مِنَ الرضاعِ ما يحرمُ مِنَ الولادةِ» إنما ورَدَ على جِهةِ التأصيلِ لحُكمِ الرضاعِ، إذْ لا يَجوزُ تأخيرُ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ قالَ: ذلكَ الحديثُ إنْ عُمِلَ بمُقتضاهُ أَوْجَبَ أنْ يكونَ ناسخًا لهذهِ الأصولِ؛ لأنَّ الزيادةَ المُغيِّرَةَ للحكمِ ناسخةٌ، معَ أنَّ عائشةَ لم يَكنْ مَذهبُها التَّحريمَ بلبنِ الفَحلِ، وهي الرَّاويةُ للحَديثِ، ويَصعُبُ ردُّ الأصولِ المُنتشِرَةِ التي يُقصَدُ بها التأصيلُ والبَيانُ عندَ وقتِ الحاجةِ بالأحاديثِ النادِرةِ، وبخاصةٍ التي تكونُ في عَيْنٍ، ولذلكَ قالَ عمرُ ﵁ في حديثِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ:«لا نَتركُ كِتابَ اللهِ لحَديثِ امرأةٍ»(١).