للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ يَصحُّ له عَقدُ الذِّمةِ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على جَوازِ عَقدِ الذِّمةِ لأهلِ الكِتابِ والمَجوسِ، كما اتَّفقوا على عَدمِ جَوازِه للمُرتَدِّ، أمَّا فيما عدا ذلك فقد اختلَفوا:

فقالَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَشهورِ عندَهم: لا يَجوزُ عَقدُ الذِّمةِ لغيرِ أهلِ الكِتابِ والمَجوسِ، بدَليلِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وهذا عامٌّ خُصَّ منه أهلُ الكِتابِ بآيةِ الجِزيةِ في سُورةِ التَّوبةِ، وخُصَّ منهم المَجوسُ بقَولِه : «سُنُّوا بهم سُنةَ أهلِ الكِتابِ … » (١) فمَن عَداهم من الكُفارِ يَبقى على بَقيَّةِ العُمومِ (٢).

وقالَ الحَنفيةُ، وهو رِوايةٌ عندَ المالِكيةِ ورِوايةٌ عن أحمدَ: يَجوزُ عَقدُ الذِّمةِ لجَميعِ الكُفارِ إلَّا عَبدةَ الأوثانِ من العَربِ؛ لأنَّ عَقدَ الذِّمةِ لرَجاءِ الإسلامِ عن طَريقِ المُخالَطةِ بالمُسلِمينَ والوُقوفِ على مَحاسنِ الدِّينِ، وهذا لا يَحصُلُ بعَقدِ الذِّمةِ مع مُشرِكي العَربِ؛ لأنَّ القُرآنَ نزَلَ بلُغتِهم، وحمَلوا الرِّسالةَ، فليسَ لهم أدنى شُبهةٍ في رَفضِهم الإيمانَ باللهِ ورَسولِه، فتَعيَّنَ السَّيفُ داعيًا لهم إلى الإسلامِ، ولهذا لم يَقبلْ رَسولُ اللهِ منهم الجِزيةَ (٣).


(١) تَقدَّمَ تَخريجُه.
(٢) «القليوبي» (٤/ ٢٢٩)، و «المغني» (١٢/ ٦٦١)، و «الكافي» (٤/ ٣٤٧)، و «الروض المربع» (٢/ ١٦)، و «الأم» (٤/ ٢٤٠)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٨٨٩).
(٣) «البدائع» (٧/ ١١١)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٢٦٦)، و «الحطاب» (٣/ ٣٨٠)، و «المغني» (١٢/ ٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>