إِقطاعُ ما لا غِنى للمُسلِمينَ عنه مِنْ المَعادنِ:
المَعادنُ ظاهِرةٌ وباطِنةٌ:
أولًا: إِقطاعُ المَعادنِ الظاهِرةِ التي لا غِنى للمُسلِمينَ عنها:
اختَلفَ الفَقهاءُ في حُكمِ إِقطاعِ المَعادنِ الظاهِرةِ التي لا غِنى للمُسلِمينَ عنها، هل يَجوزُ للإمامِ إِقطاعُها أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفَقهاءِ الحَنفيةِ والشافِعيةِ والحَنابلةِ إلى أنَّه لا يَجوزُ للإمامِ أنْ يُقطِعَ ما لا غِنى للمُسلِمينَ عنه مِنْ المَعادنِ الظاهرةِ، وهي التي يُوصَلُ إلى ما فيها من غيرِ مُؤنةٍ، يَنتابُها الناسُ ويَنتفِعونَ بها، كالمِلحِ والماءِ والكِبريتِ والقيرِ والمُومياءِ والنّفطِ والكُحلِ والبرامِ والياقوتِ ومَقاطعِ الطِّينِ وأَشباهِ ذلك، وذلك لِما رُويَ عن أَبيضَ بنِ حَمالٍ المازنِيُّ:«أنَّه وفَدَ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ فاستَقطَعَه المِلحَ الذي بمَأرِبَ فقطَعَه له، فلمَّا أنْ ولَّى قالَ رَجلٌ مِنْ المَجلسِ: أتَدرِي ما قطَعْت له؟ إنَّما قطَعْتَ له الماءَ العِدَّ-أيِ الماءَ الدائمَ الذي لا انقِطاعَ لمادتِه -، قالَ: فانتَزعَ منه»(١).
قالَ الحَنفيةُ: ليسَ للإمامِ أنْ يُقطِعَ ما لا غِنى للمُسلِمينَ عنه مِنْ المَعادنِ الظاهرةِ، وهي ما كانَ جَوهرُها الذي أَودعَه اللهُ في جَواهرِ الأَرضِ بارِزًا كمَعادنِ المِلحِ والكُحلِ والقارِ والنّفطِ والآبارِ التي يَستَقي منها الناسُ، فلو أقطَعَ هذه المَعادنَ الظاهرةَ لَم يَكنْ لإِقطاعِها حُكمٌ، بل المُقطَعُ وغيرُه
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٣٠٦٤)، والترمذي (١٣٨٠)، وابن ماجه (٢٤٧٥)، و «النسائي في «الكبرى» (٥٧٦٧)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٤٩٩).