المُكلَّفِ منهُما، ولا يَصحُّ تَحديدُ ذلكَ بتِسعٍ ولا بعَشرٍ؛ لأنَّ التحديدَ إنَّما يكونُ بالتَّوقيفِ، ولا تَوقيفَ في هذا، وكَونُ التِّسعِ وَقتًا لإمكانِ الاستمتاعِ غالبًا لا يَمنعُ وُجودَه قبْلَه، كما أنَّ البُلوغَ يُوجَدُ في خَمسةَ عشَرَ عامًا غالبًا ولا يمنَعُ مِنْ وُجودِه قبلَه (١).
المَوضعُ الثاني: إذا زنَتْ البالغةُ العاقلةُ بصَغيرٍ أو مَجنونٍ، هل يُقامُ عليها الحَدُّ أم لا؟
الكَلامُ في هذا يَكونُ في صُورتَينِ:
الصُّورةُ الأُولى: إذا زَنَتِ البالغةُ العاقِلةُ بمَجنونٍ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو زَنَتِ البالِغةُ العاقِلةُ بمَجنونٍ، هل يُقامُ عليها الحدُّ أم لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ المرأةَ العاقِلةَ إذا زنَتْ بمَجنونٍ فلا يقامُ عليها الحَدُّ؛ لأنَّ الاعتِبارَ بالرَّجلِ، فإذا سقَطَ عنه الحَدُّ لم يَجبْ عليها؛ لأنها تابِعةٌ له، ولأنَّ وُجوبَ الحدِّ على المرأةِ في بابِ الزنا ليسَ لكَونِها زانيَةً؛ لأنَّ فِعلَ الزنا لا يَتحقَّقُ منها وهو الوَطءُ؛ لأنها مَوطوءةٌ وليسَتْ بواطِئةٍ، وتَسميتُها في الكِتابِ العَزيزِ زانيَةً مَجازٌ لا حَقيقةٌ، وإنما وجَبَ عليها لكَونِها مَزنِيًّا بها، وفِعلُ الصبيِّ والمَجنونِ ليسَ بزنًا، فلا تكونُ هي مَزنيًّا بها، فلا يَجبُ عليها الحَدُّ، وفِعلُ الزنا يَتحقَّقُ مِنْ العاقلِ البالغِ، فكانَتِ الصَّبيةُ أو المَجنونةُ مَزنيًّا
(١) «المغني» (٩/ ٥٤)، و «الإنصاف» (١٠/ ١٨٧)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٢٦).