هل يُشترَطُ أنْ يَكونَ على المُحالِ عليه دَينٌ لِلمُحيلِ أو لا؟
اختَلَف الفُقهاءُ في الحَوالةِ، هل يُشترَطُ لِصِحَّتِها أنْ يَكونَ لِلمُحالِ عليه دَينٌ لِلمُحيلِ؟ أم لا يُشترَطُ وتَصحُّ الحَوالةُ سَواءٌ كان لِلمُحيلِ على المُحالِ دَينٌ أو لَم يَكُنْ، وسَواءٌ كانتْ مُطلَقةً أو مُقيَّدةً؟
فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ إلى أنَّ المُحيلَ إذا أحالَ على مَنْ لا دَينَ له عليه فالحَوالةُ لا تَصحُّ؛ لأنَّ الحَوالةَ مُعاوَضةٌ، فلا بُدَّ مِنْ ثُبوتِ العِوَضيْنِ؛ ولأنَّه إذا كان لا يَملِكُ شَيئًا في ذِمَّةِ المُحالِ عليه لَم تَصحَّ، كما لو اشتَرى شاةً حَيَّةً بشاةٍ مَيْتةٍ، ولأنَّه لو أحالَه على مَنْ له عليه دَينٌ غيرُ لَازِمٌ أو غيرُ مُستقِرٍّ أو مُخالِفٌ لِصِفةِ دَينِه لَم تَصحَّ الحَوالةُ، فلَأنْ تَكونَ لا تَصحُّ الحَوالةُ على مَنْ لا دَينَ له عليه أوْلَى.
ولأنَّه إذا لَم يَكُنْ عليه دَينٌ كانتْ حَمالةً -ضَمانًا- لا حَوالةً؛ لأنَّ حَقيقةَ الحَوالةِ بَيعُ الدَّينِ الذي على المُحالِ عليه بالدَّينِ الذي على المُحيلِ، وتَحوُّلُ الحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ وذلك يَقتَضي أنْ يَكونَ هناك دَينٌ تَحصُلُ به الحَوالةُ.
وإذا لَم تَصحَّ على أنَّها حَوالةٌ فالمالِكيَّةُ قالوا: تُعَدُّ ضَمانًا يُشترَطُ فيها رِضا الضامِنِ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمَّةِ، ولا تَعمُرُ ذِمَّةٌ عن ذِمَّةٍ أُخرى إلا برِضا صاحِبِها، وتلك حَقيقةُ الضَّمانِ، وإنَّما كانت ضَمانًا وإنِ انعَقَدتْ بلَفظِ الحَوالةِ؛ لأنَّ العِبرةَ في العُقودِ بالمَعاني لا بالألفاظِ.