للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولُ النبيِّ : «اسمَعُوا وأطِيعوا وإنْ استُعملَ عَليكم عَبدٌ حَبشيٌّ كانَ رأسَه زَبيبةٌ» (١)، فقدْ أجابَ عنه العُلماءُ مِنْ وُجوهٍ:

أحَدُها: أنه قد يُضربُ المَثلُ في الشيءِ بما لا يَكادُ يَصحُّ منه الوُجودُ، كقَولِه : «مَنْ بَنى للهِ مَسجدًا ولو مِفحصَ قَطاةٍ بنَى اللهُ له بَيتًا في الجنَّةِ»، وقَدرُ مِفحصِ قَطاةٍ لا يَكونُ مَسجدًا لشَخصٍ آدَميٍّ، فإطلاقُ العَبدِ الحَبشيِّ لأجْلِ المبالَغةِ في الأمرِ بالطاعةِ وإنْ كانَ لا يُتصوَّرُ شَرعًا أنْ يليَ ذلك.

الوَجهُ الثاني: أنَّ المُرادَ باستِعمالِ العَبدِ الحَبشيِّ أنْ يكونَ مُؤمَّرًا مِنْ جهةِ الإمامِ الأعظَمِ على بعضِ البلادِ-وهو أظهَرُها-، فليسَ هو الإمامَ الأعظمَ.

الوَجهُ الثالثُ: أنْ يكونَ أطلَقَ عليهِ اسمَ العَبدِ نَظرًا لاتِّصافِه بذلكَ سابقًا مع أنه وقتَ التَّوليةِ حُرٌّ، ونَظيرُه إطلاقُ اليَتيمِ على البالغِ باعتِبارِ اتِّصافِه به سابِقًا في قَول اللهِ تعالَى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٢] (٢).

الشَّرطُ الخامِسُ: أنْ يكونَ مُجتهِدًا:

اشتَرطَ جَماهيرُ أهلِ السُّنةِ في الإمامِ أنْ يكونَ مُجتهِدًا عالِمًا بالأحكامِ ويُعلِّمُ الناسَ ولا يَحتاجُ إلى استِفتاءِ غيرِه في الحَوادثِ؛ لأنه بالمُراجَعةِ والسُّؤالِ يَخرجُ عن رُتبةِ الاستقلالِ (٣).


(١) رواه البخاري (٦٧٢٣).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٢١٥)، و «معالم السنن» (٤/ ٣٠٠، ٣٠١)، و «فتح الباري» (١٣/ ١٢٢)، و «عون المعبود» (١٢/ ٢٣٤)، و «تحفة الأحوذي» (٧/ ٣٦٦)، و «أضواء البيان» (١/ ٢٧).
(٣) «مغني المحتاج» (٥/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>