أمَّا إنْ دخَلَ الحَربيُّ دارَ الإسلامِ بتِجارةٍ أو ادَّعى أمانًا أو أنَّه رَسولٌ هل يُصدَّقَ في ذلك ويَكونُ آمِنًا أو لا؟
على تَفصيلٍ في ذلك في كلِّ مَذهبٍ:
فقالَ الحَنفيةُ: إذا وُجدَ الحَربيُّ في دارِ الإسلامِ، فقالَ: أنا رَسولٌ؛ فإنْ أخرَجَ كِتابًا عُرفَ أنَّه كِتابُ مَلِكِهم كانَ آمِنًا حتى يُبلِّغَ رسالَتَه ويَرجِعَ؛ لأنَّ الرُّسُلَ لم تَزلْ آمِنةً في الجاهِليةِ والإسلامِ، وهذا لأنَّ أمرَ القِتالِ أو الصُّلحِ لا يَتمُّ إلا بالرُّسلِ فلا بدَّ من أمانِ الرُّسلِ ليُتوصَّلَ إلى المَقصودِ، «ولمَّا تَكلَّمَ رَسولٌ بينَ يَدَيِ النَّبيِّ ﷺ بما كرِهَه قالَ: لولا أنَّك رَسُولٌ لقَتلتُك»، وفي هذا دَليلٌ على أنَّ الرَّسولَ أمَّنَ، ثم لا يَتمكَّنُ من إقامةِ البَيِّنةِ على أنَّه رَسولٌ، فلو كلَّفْناه ذلك أدَّى إلى الضِّيقِ والحَرجِ، وهذا مَدفوعٌ، فلهذا يُكتَفى بالعَلامةِ، والعَلامةُ أنْ يَكونَ معه كِتابٌ يُعرَفُ أنَّه كِتابُ مَلِكِهم، فإذا أخرَجَ ذلك فالظاهِرُ أنَّه صادِقٌ، والبِناءُ على الظاهِرِ واجِبٌ فيما لا يُمكِنُ الوُقوفُ على حَقيقتِه.
وإنْ لم يُخرِجْ كِتابًا أو أخرَجَ ولم يُعلَمْ أنَّه كِتابُ مَلِكِهم فهو وما معه فَيءٌ؛ لأنَّ الكِتابَ قد يُفتعَلُ، وإذا لم يُعلَمْ أنَّه كِتابُ مَلِكهم بخَتمٍ وتَوقيعٍ