للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِأبي حَنيفَةَ أنَّه مُتَبَرِّعٌ، وهو مُخيَّرٌ بينَ القِيامِ والقُعودِ في الابتِداءِ؛ فكَذا بعدَ الشُّروعِ؛ لكَونِه مُتَبَرِّعًا أيضًا.

وأمَّا قولُهما إنَّ الشُّروعَ مُلزِمٌ؛ فنَقولُ: إنَّ الشُّروعَ ليس بمُلزِمٍ وَضعًا، وإنَّما يَلزمُ لِضَرورةِ صِيانةِ ما انعَقدَ عِبادةً عن البُطلانِ، وما انعَقدَ يتعلَّقُ بَقاؤُهُ عِبادةً بوُجودِ أصلِ ما بَقيَ من الصَّلاةِ لا بوُجودِ وَصفِ ما بَقيَ، فإنَّ التَّطوُّعَ قاعِدًا جائِزٌ في الجُملةِ؛ فلم يَلزم تَحصيلُ وَصفِ القِيامِ فيما بَقيَ؛ لأنَّ لُزومَ ما بَقيَ لِأجلِ الضَّرورَةِ، ولا ضَرورةَ في حقِّ وَصفِ القِيامِ، ولهذا لا يَلزمُه أكثرُ من رَكعتَينِ؛ لِاستِغناءِ المُؤدَّى عن الزِّيادةِ، بخِلافِ النَّذرِ؛ فإنَّه مَوضوعٌ لِلإيجابِ شَرعًا، فإذا أُوجِبَ مع الوَصفِ وجبَ كذلكَ (١).

وقد نُقِلَ عن أبي حَنيفَةَ عدمُ جَوازِ صَلاةِ سُنَّةِ الفَجرِ والتَّراويحِ قاعِدًا، لأنَّ كُلًّا مِنهُما سُنَّةٌ مُؤكَّدَةٌ (٢).

صَلاةُ النَّافِلةِ نائِمًا -أي: مُضطَجِعًا-:

رَوى البُخاريُّ وغيرُه عن أبي بُريدةَ قالَ: حدَّثنِي عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، وكان مَبسُورًا، قال: سَأَلتُ رَسولَ اللهِ عن صَلاةِ الرَّجلِ قاعِدًا، فقالَ: «إن صلَّى قائِمًا فَهو أَفضَلُ، وَمَنْ صلَّى قاعِدًا فلَه نِصفُ أَجرِ


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٩٧)، و «معاني الآثار» (١/ ٢٩١)، و «البحر الرائق» (٢/ ٦٨)، و «درر الحكام» (٢/ ٣٠)، و «عُمدَةُ القارِى» (٧/ ٢٠٥)، و «شرح مسلم» (٦/ ١١)، و «حِليةُ العلماء» (٢/ ١٢٠)، و «كشَّاف القناع» (١/ ٤٤١)، و «نَيلُ الأوطارِ» (٣/ ١٠١)، و «الإنصاف» (٢/ ١٨٨).
(٢) ابن عابدين (٢/ ١٤)، و «البحر الرائق» (٢/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>