ذَهب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ إلى كَراهةِ تَكرارِ الجَماعةِ في مَسجدِ الحَيِّ الذي له إمامٌ راتِبٌ، وجَماعةٌ مَعلومونَ، وليس المَسجدُ مَطروقًا، فإن دخلَ قَومٌ في مَسجدٍ قد صلَّى فيه أهلُه فإِنَّهم يُصَلُّونَ وُحدانًا؛ لمَا رَوى أبو بَكرةَ ﵁:«أَنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أَقبَلَ مِنْ نَوَاحِي المَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلاةَ، فَوجدَ النَّاسَ قَدْ صَلوا، فَمَالَ إِلَى مَنزِلِه، فَجَمعَ أَهلَهَ، فَصلَّى بِهم»(١)، فلو كانَ يَجوزُ إعادةُ الجَماعةِ في المَسجدِ لَمَا تركَ الصَّلاةَ في المَسجدِ، والصَّلاةُ فيه أفضَلُ؛ ولأنَّنا مَأمورونَ بتَكثيرِ الجَماعةِ، وفي تَكرارِ الجَماعةِ في مَسجدٍ واحدٍ تَقليلٌ لها؛ لأنَّ النَّاسَ إذا عَرَفوا أَنَّهم تَفوتُهمُ الجَماعةُ يُعجِّلونَ لِلحُضورِ؛ فتَكثُرَ الجَماعةُ، وإذا عَلِموا أَنَّه لا تَفوتُهم، يُؤخِّرونَ؛ فيؤدِّيَ إلى تَقليلِ الجَماعاتِ.
وهذا في الجُملةِ، إلَّا أنَّ هناكَ بَعضَ التَّفاصيلِ لِكلِّ مَذهبٍ، فالحَنفيَّةُ يُقَيِّدونَ كَراهةَ التَّكرارِ -وهي عندَهم تَحريمِيَّةٌ- فيما إذا صلَّى في مَسجدِ الحَيِّ أهلُه بأذانٍ وإقامةٍ، فإذا صلَّى فيه أوَّلًا غيرُ أهلِه بدُونِ أذانٍ وإقامةٍ لا يُكرَه تَكرارُ الجَماعةِ فيه.
والكَراهةُ عندَ أبي يُوسفَ فيما إذا كانَتِ الجَماعةُ الثَّانيةُ كَثيرةً، فأمَّا إذا كانوا ثَلاثَةً أو أربَعةً فقاموا في زاويةٍ مِنْ زَوايا المَسجدِ وصَلوا بجَماعةٍ، فلا يُكرَه.
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه الطَّبَراني في «الأوسط» (٤٦٠١)، وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٤٥) رواه الطَّبَراني في «الكبير» و «الأوسط»، ورجاله ثِقات.