اتَّفق الفُقهاءُ الذين قالوا بجَوازِ شَركةِ الأبدانِ، وهُم الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والحَنابِلةُ، على أنَّ الشَّركةَ تَصحُّ إذا اتَّحدتِ الصَّنعةُ، كخياطَيْن أو نَجارَيْن أو حدادَيْن.
ثم اختلَفوا فيما إذا اختلَفت الصَّنعةُ، كنَجَّارٍ مع حَدَّادٍ، فذهَب الحَنفيَّةُ -خِلافًا لِزُفرَ- والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى جَوازِها، سَواءٌ اتَّحدت الصَّنعةُ أو اختلَفت؛ لأنَّهما اشتَركا في مَكسَبٍ مُباحٍ، فصَحَّ كما لو اتَّفقت الصَّنائعُ، ولأنَّ الصَّنائعَ المُتَّفِقةَ قد يَكونُ أحَدُ الرَّجلَيْن أحذَقَ فيها مِنَ الآخَرِ، فرُبَّما يَتقبَّلُ أحدُهما ما لا يُمكِنُ الآخَرَ عَملُه، ولَم يَمنَعْ ذلك صِحَّتَها، فكذلك إذا اختلَفت الصِّناعتانِ.
ويَدلُّ على صِحَّةِ هذا أنَّه لو قال أحَدُهما:«أنا أتقَبَّلُ وأنتَ تَعمَلُ»، صَحَّتِ الشَّركةُ وعَملَ كلُّ واحِدٍ منهما غَيرَ عَملِ صاحِبِه.
= ولهذا كان أبو حَنيفةَ يُفتي بأن لا تَجوز، ثم يفرعُ على القولِ بِجوازِها ويقولُ: إن النَّاسَ لا يَأخذونَ بقَولي في المَنعِ؟ ولهذا صار صاحِباهُ إلى القولِ بجَوازِها، كما اختارَ ذلك مَنْ اختارَه من أصحابِ الشافِعيِّ وغيره. اه. ﵀. «مجموع الفتاوى» (٣٠/ ٧٩، ٨٢).