إجارةُ الذِّميِّ لِلمُسلِمِ لِلخِدمةِ:
لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ على أنَّه يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يَستَأجِرَ الذِّميَّ.
وَكذلك لا خِلافَ بَينَهم على أنَّ المُسلِمَ إنْ أجَّرَ نَفْسَه مِنْ الذِّميِّ في عَملٍ مُعيَّنٍ في الذِّمةِ؛ كَخِياطةِ ثَوبٍ وقِصارَتِه جازَ مع الكَراهةِ عندَ الجُمهورِ؛ لأنَّ عَليًّا أجَّرَ نَفْسَه مِنْ يَهوديٍّ يَسقي لَه: كلُّ دَلْوٍ بتَمْرةٍ، وأخبَرَ النَّبيَّ ﷺ بذلك فلَم يُنكِرْه، وكذلك الأنصاريُّ، ولأنَّه عَقدُ مُعاوَضةٍ لا يَتضمَّنُ إذلالَ المُسلِمِ ولا استِخدامَه، أشبَهَ مُبايَعَتَه.
وَإنَّما اختَلفوا: هَلْ يَجوزُ لِلذِّميِّ أنْ يَستَأجِرَ المُسلِمَ لِلخِدمةِ أو لا؟
فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في قَولٍ، والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يُكرَهُ لِلمُسلِمِ أنْ يُؤجِّرَ نَفْسَه لِلخِدمةِ لِلذِّميِّ فيما لَيسَ مُحرَّمًا على المُسلِمِ، وإلَّا حَرُمَ.
قالَ الحَنفيَّةُ: لَوِ استَأجَرَ ذِمِّيٌّ مُسلِمًا لِيَخدُمَه، ذُكِرَ في الأصلِ أنَّه يَجوزُ، وأكرَهُ لِلمُسلِمِ خِدمةَ الذِّميِّ، أمَّا الكَراهةُ؛ فلأنَّ الِاستِخدامَ استِذلالٌ، فكانَتْ إجارةُ المُسلِمِ نَفْسَه منه إذلالًا لِنَفْسِه، وليسَ لِلمُسلِمِ أنْ يُذِلَّ نَفْسَه، خُصوصًا بخِدمةِ الكافِرِ.
وأمَّا الجَوازُ؛ فلأنَّه عَقدُ مُعاوَضةٍ، فيَجوزُ، كالبَيعِ (١).
وفي «فَتاوَى الفَضْلِيِّ»: لا تَجوزُ إجارةُ المُسلِمِ نَفْسَه مِنْ النَّصرانيِّ
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٨٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute